اعلم أنَّه بَيَّنَ السَّبَبَ في كونهم بحيث لا يقبلون الإيمان ، ولا يتركون الكفر فقال : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ } ، يعني : أن الذين تحرص على أن يُصَدِّقُوكَ بمنزلة المَوْتَى الذين لا يسمعون ، وإنّما يستجيب من يَسْمَعُ كقوله : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [ النمل :80 ] .
وقال عَلِيُّ بن عيسى{[13768]} : الفَرْقُ بين " يستجيب " و " يجيب " أن " يستجيب " فيه قَبُولٌ لما دُعِيَ إليه ، وليس كذلك " يجيب " ؛ لأنه قد يجيب بالمخالفة كقول القائل : أتُوَافِقُ في هذا المذهب أم تخالف ؟ فيقول المجيب : أخالف .
قوله : { وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ } فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنها جملة من مبتدأ وخبر سِيقَتْ للإخبار بقُدْرتِهِ ، وأنَّ من قدرَ على بَعْثِ الموتى يقدر على إحياء قلوب الكَفَرةِ بالإيمان ، فلا تَتَأسَّفْ على من كفر .
والثاني : أن المَوْتى مَنْصُوبٌ بفعلٍ مُضْمَر يُفَسِّرُهُ الظَّاهر بعده ، ورجح هذا الوجه على الرَّفع بالابتداء لعطف جملة الاشتغال{[13769]} على جملة فعلية قبلها ، فهو نظير : { وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الإنسان :31 ] بعد قوله : { يُدْخِلُ } [ الإنسان :31 ] .
والثالث : أنَّهُ مرفوع على الموصول قبله ، والمراد ب " الموتى " الكفَّار أي : إنما يستجيب المؤمنون السَّامِعُون من أوَّل وَهْلَةٍ ، والكافرون الذين يحيبهم الله -تعالى- بالإيمان ويوفقهم له ، فالكافرون يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ، وحينئذٍ يسمعون ، وأمّا قبل ذلك فلا يسمعون ألْبَتَّةَ ، وعلى هذا فتكون الجملة من قوله : { يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ } في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال ، إلاّ أنْ هذا القول يبعده قوله تعالى : { ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ، إلا أن يكون من ترشيح المجاز ، وقد تقدَّم له نظائرُ .
وقرئ{[13770]} " يَرْجِعُونَ " من " رجع " اللاَّزم .
اعلم أن الجَسَدَ الخالي [ عن ]{[13771]} الرُّوح يظهر منه النَّتنُ والصَّديدُ ، وأصْلحُ أحْوَالِهِ أن يُدْفَنَ تحت التُّرَاب ، والرُّوحُ الخاليَةُ عن العَقْلِ يكون صاحبها مَجْنُوناً يستوجب القَيْدَ والحَبْسَ ، والعَقْلُ بالنسبة إلى الرُّوح كالرُّوحِ بالنسبة إلى الجَسَدِ ، والعَقْلُ بدُونِ معرفة الله وطَاعَتِهِ كالضَّائِعِ الباطل ، فَنِسْبَةُ التوحيد والمَعْرِفَةِ إلى العَقْلِ كنسبة العَقْلِ إلى الرُّوح ، ونسبة الروح إلى الجَسَدِ ؛ فمعرفة الله وَمَحَبَّتُهُ هي رُوحُ الرُّوح ، فالنَّفْسُ الخالِيَةُ عن هذه المعرفة تكون كَصِفةِ الأموات ، فلهذا السَّبَب وُصِفَ الكُفَّارُ بأنهم مَوْتَى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.