قوله تعالى : { إذ يغشى السدرة ما يغشى } فيه مسائل :
المسألة الأولى : العامل في { إذ } ما قبلها أو ما بعدها فيه وجهان ، فإن قلنا ما قبلها ففيه احتمالان : أظهرهما { رءاه } أي رآه وقت ما يغشى السدرة الذي يغشى ، والاحتمال الآخر العامل فيه الفعل الذي في النزلة ، تقديره { رآه نزلة أخرى } تلك النزلة وقت ما يغشى السدرة ما يغشى ، أي نزوله لم يكن إلا بعد ما ظهرت العجائب عند السدرة وغشيها ما غشى فحينئذ نزل محمد نزلة إشارة إلى أنه لم يرجع من غير فائدة ، وإن قلنا ما بعده ، فالعامل فيه { ما زاغ البصر } أي ما زاغ بصره وقت غشيان السدرة ما غشيها ، وسنذكره عند تفسير الآية .
المسألة الثانية : قد ذكرت أن في بعض الوجوه { سدرة المنتهى } هي الحيرة القصوى ، وقوله { يغشى السدرة } على ذلك الوجه ينادي بالبطلان ، فهل يمكن تصحيحه ؟ نقول يمكن أن يقال المراد من الغشيان غشيان حالة على حالة ، أي ورد على حالة الحيرة حالة الرؤية واليقين ، ورأى محمد صلى الله عليه وسلم عندما حار العقل ما رآه وقت ما طرأ على تلك الحالة ما طرأ من فضل الله تعالى ورحمته ، والأول هو الصحيح ، فإن النقل الذي ذكرنا من أن السدرة نبقها كقلال هجر يدل على أنها شجرة .
المسألة الثالثة : ما الذي غشى السدرة ؟ نقول فيه وجوه : ( الأول ) فراش أو جراد من ذهب وهو ضعيف ، لأن ذلك لا يثبت إلا بدليل سمعي ، فإن صح فيه خبر فلا يبعد من جواز التأويل ، وإن لم يصح فلا وجه له ( الثاني ) الذي يغشى السدرة ملائكة يغشونها كأنهم طيور ، وهو قريب ، لأن المكان مكان لا يتعداه الملك ، فهم يرتقون إليه متشرفين به متبركين زائرين ، كما يزور الناس الكعبة فيجتمعون عليها ( الثالث ) أنوار الله تعالى ، وهو ظاهر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إليها تجلى ربه لها ، كما تجلى للجبل ، وظهرت الأنوار ، لكن السدرة كانت أقوى من الجبل وأثبت ، فجعل الجبل دكا ، ولم تتحرك الشجرة ، وخر موسى صعقا ، ولم يتزلزل محمد ( الرابع ) هو مبهم للتعظيم ، يقول القائل : رأيت ما رأيت عند الملك ، يشير إلى الإظهار من وجه ، وإلى الإخفاء من وجه .
المسألة الرابعة : { يغشى } يستر ، ومنه الغواشي أو من معنى الإتيان ، يقال فلا يغشاني كل وقت ، أي يأتيني ، والوجهان محتملان ، وعلى قول من يقول : الله يأتي ويذهب ، فالإتيان أقرب .
{ إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى } متعلق برآه ، وقيل : بما بعد من الجملة المنفية ولا يضر التقدم على { مَا } النافية للتوسع في الظرف والغشيان بمعنى التغطية والستر ، ومنه الغواشى أو بمعنى الاتيان يقال فلان يغشى زيداً كل حين أي يأتيه . والأول هو الأليق بالمقام ، وفي إبهام { مَا يغشى } من التفخيم ما لا يخفى فكأن الغاشي أمر لا يحيط به نطاق البيان ولا تسعه أردان الأذهان ، وصيغة المضارع لحاكية الحالة الماضية استحضاراً لصورتها البديعة ، وجوز أن يكون للإيذان باستمرار الغشيان بطريق التجدد ، وورد في بعض الأخبار تعيين هذا الغاشي ، فعن الحسن غشيها نور رب العزة جل شأنه فاستنارت . ونحوه ما روي عن أبي هريرة يغشاها نور الخلاق سبحانه ، وعن ابن عباس غشيها رب العزة عز وجل وهو من التشابه ، وقال ابن مسعود . ومجاهد . وإبراهيم : يغشاها جراد من ذهب ، وروي عن مجاهد أن ذلك تبدل أغصانها لؤلؤاً وياقوتاً وزبر جداً .
وأخرج عبد بن حميد عن سلمة قال : استأذنت الملائكة الرب تبارك وتعالى أن ينظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لهم فغشيت الملائكة السدرة لينظروا إليه عليه الصلاة والسلام ، وفي حديث «رأيت على كل ورقة من ورقة ملكاً قائماً يسبح الله تعالى وقيل : يغشاها رفرف من طير خضر ، والإبهام على هذا كله على نحو ما تقدم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.