ثم قال تعالى : { فبأي آلاء ربك تتمارى } قيل هذا أيضا مما في الصحف ، وقيل هو ابتداء كلام والخطاب عام ، كأنه يقول : بأي النعم أيها السامع تشك أو تجادل ، وقيل : هو خطاب مع الكافر ، ويحتمل أن يقال مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يقال : كيف يجوز أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : { تتمارى } لأنا نقول هو من باب : { لئن أشركت ليحبطن عملك } يعني لم يبق فيه إمكان الشك ، حتى أن فارضا لو فرض النبي صلى الله عليه وسلم ممن يشك أو يجادل في بعض الأمور الخفية لما كان يمكنه المراء في نعم الله والعموم هو الصحيح كأنه يقول : بأي آلاء ربك تتمارى أيها الإنسان ، كما قال : { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } وقال تعالى : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } فإن قيل : المذكور من قبل نعم والآلاء نعم ، فكيف آلاء ربك ؟ نقول : لما عد من قبل النعم وهو الخلق من النطفة ونفخ الروح الشريفة فيه والإغناء والإقناء ، وذكر أن الكافر بنعمه أهلك قال : { فبأي آلاء ربك تتمارى } فيصيبك مثل ما أصاب الذين تماروا من قبل ، أو تقول : لما ذكر الإهلاك ، قال للشاك : أنت ما أصابك الذي أصابهم وذلك بحفظ الله إياك : { فبأي آلاء ربك تتمارى } وسنزيده بيانا في قوله : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } في مواضع .
فبأي آلاء ربك تتمارى : فبأي نعم ربك تمتري وتشك ، والخطاب للإنسان .
55- { فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى } .
بأي نعم الله أيها الإنسان تجادل أو تكابر ؟ ألم يهلك الشر ؟ ألم يقذف بالحق على الباطل ، فيدمغه فإذا هو زاهق ، ألم يترك فيها آيات لمن يتدبر ويعي ؟
إن هذا الكون في قبضة الله ، وإن للظالمين والباغين يوما عاجلا أو آجلا ، فالله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، لقد تمتع الظالمون بنعم الله ، ثم كذَّبوا رسله وأرخى الله لهم العنان وأمدّهم بالخيرات ، وناقشتهم الرسل وحذّرتهم من عذاب الله ، فاستخفوا بوعيد الله ، وكان في هلاكهم إنصاف للحق والعدل ، وبيان لسنة الله التي لا تتبدل .
قال تعالى : { الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد . ( الفجر : 11-14 ) .
{ فبأي آلاء ربك } : أي فبأيِّ أَنْعمُ ربك عليك وعلى غيرك أيها الإِنسان .
{ تتمارى } : أي تتشكك أو تكذب .
بعد ذلك العرض العظيم لمظاهر القدرة والعلم والحكمة وكلها مقتضية للربوبية والألوهية لله سبحانه وتعالى خاطب الله تعالى الإِنسان فقال { فبأي آلاء ربك } أي بعد الذي عرضنا عليك في هذه السورة من مظاهر النعم والنقم وكلها في الباطن نعم فبأي آلاء ربك تتمارى أي تشكك أو تكذب ، وكلها ثابتة أمامك لا تقدر على إنكارها وإخفائها بحال من الأحوال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.