28- { إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } .
إنا كنا من قبل في الدنيا نعبده سبحانه ، ونتبتل إليه ، ونتلذذ بالتقرب إليه ، وطاعته ودعائه وعبادته ، وهو سبحانه ( بر ) عظيم الفضل والمن والنعمة ، ( رحيم ) واسع الرحمة .
قال تعالى : { ورحمتي وسعت كل شيء . . . } ( الأعراف : 156 ) .
وفي الحديث الشريف : " قسم الله الرحمة مائة جزء ، أنزل جزءا واحدا في الدنيا يتراحم به الناس ، وادّخر تسعة وتسعين جزءا يرحم الله بها عباده يوم القيامة " iv .
فما أعظم رحمته وفضله ، قال تعالى : { كتب ربكم على نفسه الرحمة . . . } ( الأنعام : 54 ) .
{ فَمَنَّ الله عَلَيْنَا } أي بالرحمة والتوفيق { ووقانا عَذَابَ السموم } أي عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم وهو الريح الحارة المعروفة ، ووجه الشبه وإن كان في النار أقوى لكنه في ريح السموم لمشاهدته في الدنيا أعرف فلذا جعل مشبهاً به ، وقال الحسن : { السموم } اسم من أسماء جهنم عاماً لهم ولأهلهم ، فالمراد بيان ما منّ الله تعالى به عليهم من اتباع أهلهم لهم ، وقيل : ذكر { فِى أَهْلِنَا } [ الطور : 26 ] لإثبات خوفهم في سائر الأوقات والأحوال بطريق الأولى فإن كونهم بين أهليهم مظنة الأمن ولا أرى فيه بأساً ، نعم كون ذلك لأن السؤال عما اختصوا به من الكرامة دون أهليهم ليس بشيء ، وقيل : لعل الأولى أن يجعل ذلك إشارة إلى الشفقة على خلق الله تعالى كما أن قوله عز وجل : { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ } إلى آخره إشارة إلى التعظيم لأمر الله تعالى وترك العاطف بجعل الثاني بياناً للأول ادعاءاً للمبالغة في وجوب عدم انفكاك كل منهما للآخر ولا يخفى ما فيه ، والذي يظهر أن هذا إشارة إلى الرجاء وترك العطف لقصد تعداد ما كانوا عليه أي إنا كنا من قبل ذلك نعبده تعالى ونسأله الوقاية { إِنَّهُ هُوَ البر } أي المحسن كما يدل عليه اشتقاقه من البر بسائر مواده لأنها ترجع إلى الإحسان كبرّ في يمينه أي صدق لأن الصدق إحسان في ذاته ويلزمه الإحسان للغير ، وأبرّ الله تعالى حجة أي قبله لأن القبول إحسان وزيادة ، وأبرّ فلان على أصحابه أي علاهم لأنه غالباً ينشأ عن الإحسان لهم فتفسيره باللطيف كما روي عن ابن عباس ، أو العالي في صفاته ، أو خالق البرّ ، أو الصادق فيما وعد أولياءه كما روي عن ابن جريج بعيد إلا أن يراد بعض ما صدقات ، أو غايات ذلك البر ؟ { الرحيم } الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب ، وقرأ أبو حيوة { ووقانا } [ الطور : 27 ] بتشديد القاف ، والحسن . وأبو جعفر . ونافع . والكسائي { أَنَّهُ } بفتح الهمزة لتقدير لام الجر التعليلية قبلها أي لأنه .
{ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ } أن يقينا عذاب السموم ، ويوصلنا إلى النعيم ، وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة أي : لم نزل نتقرب إليه بأنواع القربات{[880]} وندعوه في سائر الأوقات ، { إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } فمن بره بنا ورحمته إيانا ، أنالنا رضاه والجنة ، ووقانا سخطه والنار .