مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ} (19)

قوله تعالى : { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال تعالى : { فكيف كان عذابي } بتوحيد الضمير هناك ولم يقل عذابنا ، وقال : هاهنا { أنا } ، ولم يقل إني ، والجواب ما ذكرناه في قوله تعالى : { ففتحنا أبواب السماء } .

المسألة الثانية : الصرصر فيها وجوه ( أحدها ) : الريح الشديدة الصوت من الصرير والصرة شدة الصياح ( ثانيها ) : دائمة الهبوب من أصر على الشيء إذا دام وثبت ، وفيه بحث وهو أن الأسماء المشتقة هي التي تصلح لأن يوصف بها ، وأما أسماء الأجناس فلا يوصف بها سواء كانت أجراما أو معاني ، فلا يقال : إنسان رجل جاء ولا يقال : لون أبيض وإنما يقال : إنسان عالم وجسم أبيض . وقولنا : أبيض معناه شيء له بياض ، ولا يكون الجسم مأخوذا فيه ، ويظهر ذلك في قولنا رجل عالم فإن العالم شيء له علم حتى الحداد والخباز ولو أمكن قيام العلم بهما لكان عالما ولا يدخل الحي في المعنى من حيث المفهوم فإنا إذا قلنا : عالم يفهم أن ذلك حي لأن اللفظ ما وضع لحي يعلم بل اللفظ وضع لشيء يعلم ويزيده ظهورا قولنا : معلوم فإنه شيء يعلم أو أمر يعلم وإن لم يكن شيئا ، ولو دخل الجسم في الأبيض لكان قولنا جسم أبيض كقولنا جسم له بياض فيقع الوصف بالجثة ، إذا علمت هذا فمن المستفاد بالجنس شيء دون شيء ، فإن قولنا الهندي يقع على كل منسوب إلى الهند وأما المهند فهو سيف منسوب إلى الهند فيصح أن يقال : عبد هندي وتمر هندي ولا يصح أن يقال : مهند وكذا الأبلق ولون آخر في فرس ولا يقال للثوب أبلق ، كذلك الأفطس أنف فيه تقعير إذا قال لقائل : أنف أفطس فيكون كأنه قال أنف به فطس فيكون وصفه بالجثة وكان ينبغي أن لا يقال فرس أبلق ولا أنف أفطس ولا سيف مهند وهم يقولون فما الجواب ؟ وهذا السؤال يرد على الصرصر لأنها الريح الباردة ، فإذا قال : ريح صرصر فليس ذلك كقولنا : ريح باردة فإن الصرصر هي الريح الباردة فحسب ، فكأنه قال : ريح باردة فنقول : الألفاظ التي في معانيها أمران فصاعدا ، كقولنا : عالم فإنه يدل على شيء له علم ففيه شيء وعلم هي على ثلاثة أقسام ( أحدها ) : أن يكون الحال هو المقصود والمحل تبع كما في العالم والضارب والأبيض فإن المقاصد في هذه الألفاظ العلم والضرب والبياض بخصوصها ، وأما المحل فمقصود من حيث إنه على عمومه حتى أن البياض لو كان يبدل بلون غيره اختل مقصوده كالأسود . وأما الجسم الذي هو محل البياض إن أمكن أن يبدل وأمكن قيام البياض بجوهر غير جسم لما اختل الغرض ( ثانيها ) : أن يكون المحل هو المقصود كقولنا الحيوان لأنه اسم لجنس ما له الحياة لا كالحي الذي هو اسم لشيء له الحياة ، فالمقصود هنا المحل وهو الجسم حتى لو وجد حي ليس بجسم لا يحصل مقصود من قال : الحيوان ولو حمل اللفظ على الله الحي الذي لا يموت لحصل غرض المتكلم ولو حمل لفظ الحيوان على فرس قائم أو إنسان نائم لم تفارقه الحياة لم يبق للسامع نفع ولم يحصل للمتكلم غرض فإن القائل إذا قال لإنسان قائم وهو ميت هذا حيوان ثم بان موته لا يرجع عما قال بل يقول : ما قلت إنه حي بل قلت إنه حيوان فهو حيوان فارقته الحياة ( ثالثها ) : ما يكون الأمران مقصودين كقولنا رجل وامرأة وناقة وجمل فإن الرجل اسم موضوع لإنسان ذكر والمرأة لإنسان أنثى والناقة لبعير أنثى والجمل لبعير ذكر فالناقة إن أطلقت على حيوان فظهر فرسا أو ثور اختل الغرض وإن بان جملا كذلك ، إذا علمت هذا ففي كل صورة كان المحل مقصودا إما وحده وإما مع الحال فلا يوصف به فلا يقال جسم حيوان ولا يقال بعير ناقة وإنما يجعل ذلك جملة ، فيوصف بالجملة ، فيقال جسم هو حيوان وبعير هو ناقة ، ثم إن الأبلق والأفطس شأنه الحيوان من وجه وشأنه العالم من وجه وكذلك المهند لكن دليل ترجيح الحال فيه ظاهر ، لأن المهند لا يذكر إلا لمدح السيف ، والأفطس لا يقال إلا لوصف الأنف لا لحقيقته ، وكذلك الأبلق بخلاف الحيوان فإنه لا يقال لوصفه ، وكذلك الناقة ، إذا علمت هذا فالصرصر يقال لشدة الريح أو لبردها فوجب أن يعمل به ما يعمل بالبارد والشديد فجاز الوصف وهذا بحث عزيز .

المسألة الثالثة : قال تعالى هاهنا { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا } وقال في الطور : { وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } فعرف الريح هناك ونكرها هنا لأن العقم في الريح أظهر من البرد الذي يضر النبات أو الشدة التي تعصف الأشجار لأن الريح العقيم هي التي لا تنشئ سحابا ولا تلقح شجرا وهي كثيرة الوقوع ، وأما الريح المهلكة الباردة فقلما توجد ، فقال : الريح العقيم أي هذا الجنس المعروف ، ثم زاده بيانا بقوله : { ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } فتميزت عن الرياح العقم ، وأما الصرصر فقليلة الوقوع فلا تكون مشهورة فنكرها .

المسألة الرابعة : قال هنا { في يوم نحس مستمر } وقال في السجدة : { في أيام نحسات } وقال في الحاقة : { سبع ليال وثمانية أيام حسوما } والمراد من اليوم هنا الوقت والزمان كما في قوله تعالى : { يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا } وقوله : { مستمر } يفيد ما يفيده الأيام لأن الاستمرار ينبئ عن إمرار الزمان كما ينبئ عنه الأيام ، وإنما اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى ، لأن الحكاية هنا مذكورة على سبيل الاختصار ، فذكر الزمان ولم يذكر مقداره ولذلك لم يصفها ، ثم إن فيه قراءتين إحداهما : { يوم نحس } بإضافة يوم ، وتسكين نحس على وزن نفس ، وثانيتهما : { يوم نحس } بتنوين الميم وكسر الحاء على وصف اليوم بالنحس ، كما في قوله تعالى : { في أيام نحسات } فإن قيل أيتهما أقرب ؟ قلنا : الإضافة أصح ، وذلك لأن من يقرأ : { يوم نحس مستمر } يجعل المستمر صفة ليوم ، ومن يقرأ يوم نحس مستمر يكون المستمر وصفا لنحس ، فيحصل منه استمرار النحوسة فالأول أظهر وأليق ، فإن قيل : من يقرأ يوم نحس بسكون الحاء ، فماذا يقول في النحس ؟ نقول : يحتمل أن يقول هو تخفيف نحس كفخذ وفخذ في غير الصفات ، ونصر ونصر ورعد ورعد ، وعلى هذا يلزمه أن يقول تقديره : يوم كائن نحس ، كما تقول في قوله تعالى : { بجانب الغربي } ويحتمل أن يقول : نحس ليس بنعت ، بل هو اسم معنى أو مصدر ، فيكون كقولهم يوم برد وحر ، وهو أقرب وأصح .

المسألة الخامسة : ما معنى مستمر ؟ نقول فيه وجوه ( الأول ) : ممتد ثابت مدة مديدة من استمر الأمر إذا دام ، وهذا كقوله تعالى : { في أيام نحسات } لأن الجمع يفيد معنى الاستمرار والامتداد ، وكذلك قوله : { حسوما } ( الثاني ) : شديد من المرة كما قلنا من قبل في قوله : { سحر مستمر } وهذا كقولهم أيام الشدائد ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : { في أيام نحسات لنذيقهم بعض الذي } فإنه يذيقهم المر المضر من العذاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ} (19)

ثم يجيب . .

كان كما يصفه ذلك الوصف الخاطف الرعيب :

( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر . تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) . . والريح الصرصر : الباردة العنيفة . وجرس اللفظ يصور نوع الريح . والنحس : الشؤم . وأي نحس يصيب قوما أشد مما أصاب عاد . والريح تنزعهم وتجذبهم وتحطمهم . فتدعهم كأنهم أعجاز نخل مهشمة مقلوعة من قعورها ? !

والمشهد مفزع مخيف ، وعاصف عنيف . والريح التي أرسلت على عاد " هي من جند الله " وهي قوة من قوى هذا الكون ، من خلق الله ، تسير وفق الناموس الكوني الذي اختاره ؛ وهو يسلطها على من يشاء ، بينما هي ماضية في طريقها مع ذلك الناموس ، بلا تعارض بين خط سيرها الكوني ، وأدائها لما تؤمر به وفق مشيئة الله . صاحب الأمر وصاحب الناموس :

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ} (19)

18

المفردات :

ريحا صرصرا : باردة أشد البرد ، يقال : ريح صرّ وصرصر أي : شديدة الصوت ، أو الباردة .

النّحس : الشؤم على عاد حتى أهلكهم .

مستمر : دائم شؤمه حتى أهلكهم .

التفسير :

19-{ إنّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ } .

أرسلنا عليهم ريحا باردة شديدة الصوت .

قال ابن كثير :

قيل : باردة ، وقيل : شديدة الصوت ، والحق أنها متصفة بجميع ذلك ، فقد كانت ريحا شديدة قوية ، وكانت باردة شديدة البرد ، وكانت ذات صوت مزعج . أ . ه .

أي : جمعت الهلاك والإبادة والتدمير ، في يوم شؤم على هؤلاء المعتدين مستمر ، حيث اتصل عذابهم في الدنيا بعذابهم في الآخرة ، وقد نهينا في السنة المطهرة عن التشاؤم من أمر بعينه ، أو يوم بعينه وإنما الأيام والليالي كلها سواء ، لذا كان التشاؤم بالعدد ( 13 ) غير صحيح شرعا ودينا .

روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد " vi .

أي أن العدوى لا تقع إلا بإذن الله ، ولا يجوز التطيّر أو التشاؤم من شيء ، فإذا رأى الإنسان شيئا يتشاءم منه ، يقول : " اللهم لا يأتي بالخير إلا أنت ، ولا يُذهب السوء إلا أنت ، اللهم اكفني السوء بما شئت وكيف شئت ، إنك على ما تشاء قدير " vii . ثم يمضي في عمله ولا يتراجع عنه .

( ولا هامة ) كانت العرب تعتقد أن روح القتيل تتقمّص طائرا يسمى الصَّدى وتصيح بالليل تقول : ( اسقوني من دم قاتلي ) ، فإذا أخذ بثأره هدأ القتيل واستقرت روحه ، وهذه خرافة لا أصل لها ، وكانت تدفعهم للأخذ بالثأر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا هامة " .

( ولا صفر ) قد حرّم الله القتال في شهر المحرم ، وكان العرب إذا احتاجوا إلى الحرب في المحرم ، قام كبيرهم ، فقال : إني أحللت لكم القتال في المحرم ، ونقلت تحريمه إلى شهر صفر ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ولا صفر " ، أي : لا يجوز تحريم القتال في شهر صفر ، بل يجب الإبقاء على جعل المحرم هو الشهر الحرام بنفسه دون غيره .

وفي آخر الحديث نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى الابتعاد عن الاختلاط بأصحاب الأمراض المعدية ، فكما تفرّ من الأسد المفترس ، ينبغي أن تفرَّ من المريض بالجُذام ، ويقاس عليه كل مرض مُعد .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ} (19)

{ إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا } أي باردة . أو شديدة الصوت [ آية 16 فصلت ص 277 ]

{ في يوم نحس } شؤم وشر . { مستمر } أي دائم الشؤم ، استمر عليهم بنحوسته ، واستمر فيه العذاب إلى الهلاك .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ} (19)

الريح الصرصر : الباردة أشد البرد .

نحس : شؤم . مستمر : دائم .

ريحاً باردة مدوَّية في يومِ شؤمٍ دائم .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ} (19)

شرح الكلمات :

{ إنا أرسنا عليهم ريحا صرصراً } : أي ريحا عاتية ذات صوت شديد .

في يوم نحس مستمر : أي في يوم نحسٍ أي شؤم مستمر دائم الشؤم قوِيَّة حتى هلكوا .

المعنى :

أرسل تعالى عليهم ريحاً صرصراً ذات صوت شديد في يوم نحس وكان مساء الأربعاء لثمان خلون من شهر شوال مستمر بشدة وقوم وشؤم عليهم مدة سبع ليال وثمانية أيام .

الهداية

من الهداية :

- بيان عقوبة المكذبين لرسول الله وما نزل بهم من العذاب في الدنيا قبل الآخرة .