روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ} (19)

وقوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } استئناف لبيان ما أجمل أولا ، والصرصر الباردة على ما روي عن ابن عباس . وقتادة . والضحاك ، وقيل : شديدة الصوت وتمام الكلام قد مر في { فُصّلَتْ } .

{ فِي يَوْمِ نَحْسٍ } شؤم عليهم { مُّسْتَمِرٌّ } ذلك الشؤم لأنهم بعد أن أهلكوا لم يزالوا معذبين في البرزخ حتى يدخلوا جهنم يوم القيامة ، والمراد باليوم مطلق الزمان لقوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [ فصلت : 16 ] ، وقوله سبحانه : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ حُسُوماً } [ الحاقة : 7 ] والمشهور أنه يوم الأربعاء وكان آخر شوّال على معنى أن ابتداء إرسال الريح كان فيه فلا ينافي آيتي { فُصّلَتْ } .

وجوز كون { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } صفة يوم أي في يوم استمر عليهم حتى أهلكهم ، أو شمل كبيرهم وصغيرهم حتى لم تبق منهم نسمة على أن أن الاستمرار بحسب الزمان أو بحسب الأشخاص والأفراد لكن على الأول لا بد من تجوز بإرادة استمرار نحسه ، أو بجعل اليوم بمعنى مطلق الزمان لأن اليوم الواحد لم يستمر فتدبر ، وجوز كون { مُّسْتَمِرٌّ } بمعنى محكم وكونه بمعنى شديد المرارة وهو مجاز عن بشاعته وشدة هو له إذ لا طعم له ، وجوز كونه بدلاً ، أو عطف بيان وهو كما ترى ، وقرأ الحسن { يَوْمِ نَحْسٍ } بتنوين يوم وكسر حاء نحس ، وجعله صفة ليوم فيتعين كون { مُّسْتَمِرٌّ } صفة ثانية له ، وأيد بعضهم بالآية ما أخرجه وكيع في الغرر . وابن مردويه . والخطيب البغدادي عن ابن عباس مرفوعاً آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر وأخذ بذلك كثير من الناس فتطيروا منه وتركوا السعي لمصالحهم فيه ويقولون له : أربعاء لا تدور ، وعليه قوله :

لقاؤك للمبكر فأل سوء *** ووجهك أربعاء لا تدور

وذلك مما لا ينبغي ، والحديث المذكور في سنده مسلمة بن الصلت قال أبو حاتم : متروك ، وجزم ابن الجوزي بوضعه ؛ وقال ابن رجب : حديث لا يصح ورفعه غير متفق عليه فقد رواه الطيوري من طريق آخر موقوفاً على ابن عباس ، وقال السخاوي : طرقه كلها واهية ، وضعفوا أيضاً خبر الطبراني يوم الأربعاء يوم نحس مستمر ، والآية قد علمت معناها ، وجاء في الأخبار والآثار ما يشعر بمدحه ففي منهاج الحليمي ، وشعب البيهقي أن الدعاء يستجاب يوم الأربعاء بعيد الزوال ، وذكر برهان الإسلام في تعليم المتعلم عن صاحب الهداية أنه ما بدئ شيء يوم الأربعاء إلا وتم وهو يوم خلق الله تعالى فيه النور فلذلك كان جمع من المشايخ يتحرون ابتداء الجلوس للتدريس فيه ، واستحب بعضهم غرس الأشجار فيه لخبر ابن حبان . والديلمي عن جابر مرفوعاً «من غرس الأشجار يوم الأربعاء وقال : سبحان الباعث الوارث أتته أكلها »

نعم جاءت أخبار وآثار تشعر بخلاف ذلك ، ففي الفردوس عن عائشة مرفوعاً «لولا أن تكره أمتي لأمرتها أن لا يسافروا يوم الأربعاء ، وأحب الأيام إلى الشخوص فيها يوم الخميس » وهو غير معلوم الصحة عندي .

وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس . وابن عدى . وتمام في فوائده عن أبي سعيد مرفوعاً «يوم السبت يوم مكر وخديعة . ويوم الأحد يوم غرس وبناء . ويوم الاثنين يوم سفر وطلب رزق . ويوم الثلاثاء يوم حديد وبأس . ويوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء . ويوم الخميس يوم طلب الحوائج والدخول على السلطان . والجمعة يوم خطبة ونكاح » وتعقبه السخاوي بأن سنده ضعيف ، وروي ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعاً ، وخرجه الحاكم من طريقين آخرين «لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء » وفي بعض الآثار النهي عن قص الأظفار ويوم الأربعاء وأنه يورث البرص ، وكره بعضهم عيادة المرضى فيه ، وعليه قيل :

لم يؤت في الأربعاء مريض *** إلا دفناه في الخميس

وحكى عن بعضهم أنه قال لأخيه : أخرج معي في حاجة فقال : هو الأربعاء قال : فيه ولد يونس قال : لا جرم قد بانت له بركته في اتساع موضعه وحسن كسوته حتى خلصه الله تعالى قال : وفيه ولد يوسف عليه السلام قال : فما أحسن ما فعل أخوته حتى طال حبسه وغربته قال : وفيه نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال : أجل لكن بعد أن زاغت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ونقل المناوي عن البحر أن أخباره عليه الصلاة والسلام عن نحوسة آخر أربعاء في الشهر من باب التطير ضرورة أنه ليس من الدين بل فعل الجاهلية ولا مبني على قول المنجمين أنه يوم عطارد وهو نحس مع النحوس سعد مع السعود فإنه قول باطل ، ويجوز أن يكون من باب التخويف والتحذير أي احذروا ذلك اليوم لما نزل فيه من العذاب وكان فيه من الهلاك وجددوا فيه لله تعالى توبة خوفاً أن يلحقكم فيه بؤس كما وقع لمن قبلهم ، وهذا كما قال حين أتى الحجر : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين إلي غير ذلك ، وحكى أيضاً عن بعضهم أنه قال : التطير مكروه كراهية شرعية إلا أن الشرع أباح لمن أصابه في آخر أربعاء شيء في مصالحه أن يدع التصرف فيه لا على جهة التطير واعتقاد أنه يضر أو ينفع بغير إذن الله تعالى بل على جهة اعتقاد إباحة الإمساك فيه لما كرهته النفس لا افتقاءاً للتطير ولكن إثباتاً للرخصة في التوقي فيه لمن يشاء مع وجوب اعتقاد أن شيئاً لا يضر شيئاً ؛ ونقل عن الحليمي أنه قال : علمنا ببيان الشريعة أن من الأيام نحساً ، ويقابل النحس السعد وإذا ثبت الأول ثبت الثاني أيضاً ، فالأيام منها نحس ومنها سعد كالأشخاص منهم شقي ومنهم سعيد ، لكن زعم أن الأيام والكواكب تنحس أو تسعد باختيارها أوقاتاً وأشخاصاً باطل ، والقول إن الكواكب قد تكون أسباباً للحسن والقبيح والخير والشر والكل فعل الله تعالى وحده مما لا بأس به ، ثم قال المناوي : والحاصل أن توقي الأربعاء على جهة الطيرة وظن اعتقاد المنجمين حرام شديد التحريم إذ الأيام كلها لله تعالى لا تنفع ولا تضر بذاتها وبدون ذلك لا ضير ولا محذور فيه ؛ ومن تطير حاقت به نحوسته ، ومن أيقن بأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل لم يؤثر فيه شيء من ذلك كما قيل :

تعلم أنه لا طير إلا *** على ( متطير ) وهو الثبور

انتهى ، وأقول كل الأيام سواء ولا اختصاص لذلك بيوم الأربعاء وما من ساعة من الساعات إلا وهي سعد على شخص نحس على آخر باعتبار ما يحدث الله تعالى فيها من الملائم والمنافر والخير والشر ، فكل يوم من الأيام يتصف بالأمرين لاختلاف الاعتبار وإن استنحس يوم الأربعاء لوقوع حادث فيه فليستنحس كل يوم فما أولج الليل في النهار في الليل إلا لايلاد الحوادث ، وقد قيل :

ألا إنما الأيام أبناء واحد *** وهذي الليالي كلها أخوات

وقد حكى أنه صبح ثمود العذاب يوم الأحد ، وورد في الأثر ولا أظنه يصح «نعوذ بالله تعالى من يوم الأحد فإن له حداً أحد من السيف » ولو صح فلعله في أحد مخصوص علم بالوحي ما يحدث فيه ، وزعم بعضهم أن من المجرب الذي لم يخط قط أنه متى كان اليوم الرابع عشر من الشهر القمري الأحد وفعل فيه شيء لم يتم غير مسلم ، وورد في الفردوس من حديث ابن مسعود خلق الله تعالى الأمراض يوم الثلاثاء ، وفيه أنزل إبليس إلى الأرض ، وفيه خلق جهنم ، وفيه سلط الله تعالى ملك الموت على أرواح بني آدم . وفيه قتل قابيل هابيل ، وفيه توفي موسى وهارون عليهم السلام ، وفيه ابتلى أيوب الحديث ، وهو إن صح لا يدل على نحوسته غايته أنه وقع فيه ما وقع وقد وقع فيه غير ذلك مما هو خير ، ففي رواية مسلم خلق المنفق أي ما يقوم به المعاش يوم الثلاثاء وإذا تتبعت التواريخ وقفت على حوادث عظيمة في سائر الأيام ، ويكفي في هذا الباب أن حادثة عاد استوعبت أيام الأسبوع فقد قال سبحانه : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ حُسُوماً } [ الحاقة : 7 ] فإن كانت النحوسة لذلك فقل لي أي يوم من الأسبوع خلا منها ؟ا ومثل أمر النحوسة فيما أرى أمر تخصيص كل يوم بعمل كما يزعمه كثير من الناس ، ويذكرون في ذلك أبياتاً نسبها الحافظ الدمياطي لعليّ كرم الله تعالى وجهه وهي :

فنعم اليوم ( يوم السبت ) حقا *** لصيد إن أردت بلا امتراء

وفي ( الأحد ) البناء لأن فيه *** تبدى الله في خلق السماء

وفي ( الاثنين ) إن سافرت فيه *** سترجع بالنجاح وبالثراء

ومن يرد الحجامة ( فالثلاثا ) *** ففي ساعاته هرق الدماء

وإن شرب امرأ يوماً دواءا *** فنعم اليوم يوم ( الأربعاء )

وفي ( يوم الخميس ) قضاء حاج *** فإن الله يأذن بالقضاء

وفي ( الجمعات ) تزويج وعرس *** ولذات الرجال مع النساء

وهذا العلم لا يدريه إلا *** نبي أو وصى الأنبياء

ولا أظنها تصح ، وقصارى ما أقول : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا دخل في ذلك لوقت ولا لغيره ، نعم لبعض الأوقات شرف لا ينكر كيوم الجمعة وشهر رمضان وغير ذلك ، ولبعضها عكس ذلك كالأوقات التي تكره فيها الصلاة لكن هذا أمر ومحل النزاع أمر فاحفظ ذاك ، والله تعالى يتولى هداك .