الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ} (19)

" إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا " أي شديدة البرد ، قاله قتادة والضحاك . وقيل : شديدة الصوت . وقد مضى في " حم السجدة{[14469]} " . " في يوم نحس مستمر " أي في يوم كان مشؤوما عليهم . وقال ابن عباس : أي في يوم كانوا يتشاءمون به . الزجاج : قيل في يوم أربعاء . ابن عباس : كان آخر أربعاء في الشهر أفنى صغيرهم وكبيرهم . وقرأ هارون الأعور " نحس " بكسر الحاء وقد مضى القول فيه في فصلت " في أيام نحسات " [ فصلت : 16 ] . و " في يوم نحس مستمر " أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه ، واستمر عليهم فيه العذاب إلى الهلاك . وقيل : استمر بهم إلى نار جهنم . وقال الضحاك : كان مرا عليهم . وكذا حكى الكسائي أن قوما قالوا هو من المرارة ، يقال : مر الشيء وأمر أي كان كالشيء المر تكرهه النفوس . وقد قال : فذوقوا " والذي يذاق قد يكون مرا . وقد قيل : هو من المرة بمعنى القوة . أي في يوم نحس مستمر مستحكم الشؤم كالشيء المحكم الفتل الذي لا يطاق نقضه . فإن قيل : فإذا كان يوم الأربعاء يوم نحس مستمر فكيف يستجاب فيه الدعاء ؟ وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم استجيب له فيه فيما بين الظهر والعصر . وقد مضى في " البقرة{[14470]} " حديث جابر بذلك . فالجواب - والله أعلم - ما جاء في خبر يرويه مسروق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أتاني جبريل فقال إن الله يأمرك أن تقضي باليمين مع الشاهد ، وقال يوم الأربعاء يوم نحس مستمر ، ومعلوم أنه لم يرد بذلك أنه نحس على الصالحين{[14471]} ، بل أراد أنه نحس على الفجار والمفسدين ، كما كانت الأيام النّحسات المذكورة في القران ، نحسات على الكفار من قوم عاد لا على نبيهم والمؤمنين به منهم ، وإذا كان كذلك لم يبعد أن يمهل الظالم من أول يوم الأربعاء إلى أن تزول الشمس ، فإذا أدبر النهار ولم يحدث رجعة استجيب دعاء المظلوم عليه ، فكان اليوم نحسا على الظالم ، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان على الكفار ، وقول جابر في حديثه " لم ينزل بي أمر غليظ " إشارة إلى هذا . والله أعلم .


[14469]:راجع جـ 15 ص 347.
[14470]:راجع جـ 2 ص 313.
[14471]:في ي: "المصلحين".