مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمۡ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٖۖ ذَٰلِكَ وَعۡدٌ غَيۡرُ مَكۡذُوبٖ} (65)

ثم بين الله تعالى أنهم مع ذلك عقروها وذبحوها ، ويحتمل أنهم عقروها لإبطال تلك الحجة ، وأن يكون لأنها ضيقت الشرب على القوم ، وأن يكون لأنهم رغبوا في شحمها ولحمها ، وقوله : { فيأخذكم عذاب قريب } يريد اليوم الثالث ، وهو قوله : { تمتعوا في داركم } ثم بين تعالى أن القوم عقروها ، فعند ذلك قال لهم صالح عليه السلام : { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام } ومعنى التمتع : التلذذ بالمنافع والملاذ التي تدرك بالحواس ، ولما كان التمتع لا يحصل إلا للحي عبر به عن الحياة ، وقوله : { في داركم } فيه وجهان : الأول : أن المراد من الدار البلد ، وتسمى البلاد بالديار ، لأنه يدار فيها أي يتصرف . يقال : ديار بكر أي بلادهم . الثاني : أن المراد بالديار الدنيا . وقوله : { ذلك وعد مكذوب } أي غير مكذب والمصدر قد يرد بلفظ المفعول كالمجلود والمعقول وبأيكم المفتون ، وقيل غير مكذوب فيه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما أنه تعالى لما أمهلهم تلك الأيام الثلاثة فقد رغبهم في الإيمان ، وذلك لأنهم لما عقروا الناقة أنذرهم صالح عليه السلام بنزول العذاب ، فقالوا وما علامة ذلك ؟ فقال : تصير وجوهكم في اليوم الأول مصفرة ، وفي الثاني محمرة ، وفي الثالث مسودة ، ثم يأتيكم العذاب في اليوم الرابع ، فلما رأوا وجوههم قد اسودت أيقنوا بالعذاب فاحتاطوا واستعدوا للعذاب فصبحهم اليوم الرابع وهي الصيحة والصاعقة والعذاب .

فإن قيل : كيف يعقل أن تظهر فيهم هذه العلامات مطابقة لقول صالح عليه السلام ، ثم يبقون مصرين على الكفر .

قلنا : ما دامت الأمارات غير بالغة إلى حد الجزم واليقين لم يمتنع بقاؤهم على الكفر وإذا صارت يقينية قطعية ، فقد انتهى الأمر إلى حد الإلجاء والإيمان في ذلك الوقت غير مقبول .