اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمۡ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٖۖ ذَٰلِكَ وَعۡدٌ غَيۡرُ مَكۡذُوبٖ} (65)

{ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ لهُم } صالح : { تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ } أي : في دياركم ، فالمراد بالدَّار : البلد ، وتُسَمَّى البلاد بالدِّيار ، لأنَّه يدار فيها ، أي : يتصرف ، يقال : ديار بكر أي : بلادهم .

وقيل : المراد بالدِّيار : دار الدُّنيا ، وقيل : هو جمع " دارة " كساحة وساحٍ وسُوحٍ ، وأنشد ابنُ أبي الصَّلْت : [ الوافر ]

لَهُ دَاعٍ بِمَكَّة مُشْمَعِلٌّ *** وآخَرُ فوْقَ دَارَتِهِ يُنَادِي{[18857]}

فصل

قال القرطبيُّ : " استدلَّ العلماءُ بتأخير الله العذاب عن قوم صالح ثلاثة أيام على أنَّ المسافر إذا لمْ يُجمع على إقامة أربع ليالٍ قصر ؛ لأنَّ الثلاثة أيام خارجة عن حكم الإقامة " .

والتَّمتع : التَّلذُّذ بالمنافع والملاذ . { ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } ، [ أي : غير كذب ]{[18858]} .

قوله : " مَكْذُوب " يجُوزُ أن يكون مصدرا على زنة مفعولٍ ، وقد جاء منه أليفاظ نحو : المَجْلود والمعقُول والمَيْسُور والمَفْتُون ، ويجوزُ أن يكون اسم مفعولٍ على بابه ، وفيه حينئذٍ تأويلان :

أحدهما : غير مكذوبٍ فيه ، ثم حذف حرف الجر فاتَّصل الضَّمير مرفُوعاً مستتراً في الصِّفة ومثله " يَوْمٌ مَشْهُودٌ " وقول الشاعر : [ الطويل ]

ويَوْمَ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وعَامِراً *** قَلِيلٌ سِوَى الطَّعْنِ النِّهَالِ نوافِلُه{[18859]}

والثاني : أنه جُعِل هو نفسُه غير مكذوب ؛ لأنَّه قد وُفي به ، فقد صُدِّق .

فصل

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " لمَّا أمهلهم ثلاثة أيَّام ، قالوا وما علامةُ ذلك ؟ قال : تصبحوا في اليوم الأوَّلِ وجوهكم مصفرة ، وفي اليوم الثاني مُحْمَرة وفي اليوم الثالث مسودة ، ثم يأتيكم العذابُ في اليوم الرَّابع فكان كما قال " {[18860]} .

فإن قيل : كيف يُعقل أن تظهر هذه العلامات مطابقة لقول صالحٍ ، ثم يبقون مصرين على الكفر ؟ فالجواب : ما دامت الأمارات غير بالغة إلى حدِّ اليقينِ لم يمتنع بقاؤهم على الكفر وإذا صارت يقينيَّة قطعيَّة ، فقد انتهى الأمرُ إلى حدِّ الإلجاء ، والإيمان في ذلك الوقت غير مقبول .


[18857]:ينظر البيت في ديوانه (331) والبحر المحيط 5/240 وروح المعاني 12/91 واللسان (دور) والتهذيب 14/154 (دار) والدر المصون 4/110.
[18858]:سقط في ب.
[18859]:تقدم.
[18860]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/391).