مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لِيَجۡزِيَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} (51)

ولما ذكر تعالى هذه الصفات الثلاثة قال : { ليجزي الله كل نفس ما كسبت } قال الواحدي : المراد منه أنفس الكفار لأن ما سبق ذكره لا يليق أن يكون جزاء لأهل الإيمان ، وأقول يمكن إجراء اللفظ على عمومه ، لأن لفظ الآية يدل على أنه تعالى يجزي كل شخص بما يليق بعمله وكسبه ولما كان كسب هؤلاء الكفار الكفر والمعصية ، كان جزاؤهم هو هذا العقاب المذكور ، ولما كان كسب المؤمنين الأيمان والطاعة ، كان اللائق بهم هو الثواب وأيضا أنه تعالى لما عاقب المجرمين بجرمهم فلأن يثيب المطيعين على طاعتهم كان أولى .

ثم قال تعالى : { إن الله سريع الحساب } والمراد أنه تعالى لا يظلمهم ولا يزيد على عقابهم الذي يستحقونه . وحظ العقل منه أن الأخلاق الظلمانية هي المبادئ لحصول الآلام الروحانية وحصول تلك الأخلاق في النفس على قدر صدور تلك الأعمال منهم في الحياة الدنيا ، فإن الملكات النفسانية إنما تحصل في جوهر النفس بسبب الأفعال المتكررة ، وعلى هذا التقدير فتلك الآلام تتفاوت بحسب تلك الأفعال في كثرتها وقلتها وشدتها وضعفها وذلك يشبه الحساب .