مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ} (45)

ثم إنه تعالى زادهم تقريعا آخر بقوله : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } يعني سكنتم في مساكن الذين كفروا قبلكم ، وهم قوم نوح وعاد وثمود ، وظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية ، لأن من شاهد هذه الأحوال وجب عليه أن يعتبر ، فإذا لم يعتبر كان مستوجبا للذم والتقريع .

ثم قال : { وتبين لكم كيف فعلنا بهم } وظهر لكم أن عاقبتهم عادت إلى الوبال والخزي والنكال .

فإن قيل : ولماذا قيل : { وتبين لكم كيف فعلنا بهم } ولم يكن القوم يقرون بأنه تعالى أهلكهم لأجل تكذيبهم ؟

قلنا : إنهم علموا أن أولئك المتقدمين كانوا طالبين للدنيا ثم إنهم فنوا وانقرضوا فعند هذا يعلمون أنه لا فائدة في طلب الدنيا ، والواجب الجد والاجتهاد في طلب الدين ، والواجب على من عرف هذا أن يكون خائفا وجلا ، فيكون ذلك زجرا له هذا إذا قرئ بالتاء أما إذا قرئ بالنون فلا شبهة فيه لأن التقدير كأنه تعالى قال : أولم نبين لكم كيف فعلنا بهم ، وليس كل ما بين لهم تبينوه .

أما قوله : { وضربنا لكم الأمثال } فالمراد ما أورده الله في القرآن مما يعلم به أنه قادر على الإعادة كما قدر على الابتداء وقادر على التعذيب المؤجل كما يفعل الهلاك المعجل ، وذلك في كتاب الله كثير ، والله أعلم .