مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَنَبِّئۡهُمۡ عَن ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ} (51)

{ ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون ، قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم ، قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون ، قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين ، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضآلون }

في الآية مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما بالغ في تقرير أمر النبوة ثم أردفه بذكر دلائل التوحيد ، ثم ذكر عقيبه أحوال القيامة وصفة الأشقياء والسعداء ، أتبعه بذكر قصص الأنبياء عليهم السلام ليكون سماعها مرغبا في الطاعة الموجبة للفوز بدرجات الأنبياء ، ومحذرا عن المعصية لاستحقاق دركات الأشقياء ، فبدأ أولا بقصة إبراهيم عليه السلام ، والضمير في قوله : { ونبئهم } راجع إلى قوله : { عبادي } والتقدير : ونبئ عبادي عن ضيف إبراهيم ، يقال : أنبأت القوم إنباء ونبأتهم تنبئة إذا أخبرتهم ، وذكر تعالى في الآية أن ضيف إبراهيم عليه السلام بشروه بالولد بعد الكبر . وبإنجاء المؤمنين من قوم لوط من العذاب وأخبروه أيضا بأنه تعالى سيعذب الكفار من قوم لوط بعذاب الاستئصال ، وكل ذلك يقوي ما ذكره من أنه غفور رحيم للمؤمنين ، وأن عذابه عذاب أليم في حق الكفار .

المسألة الثانية : الضيف في الأصل مصدر ضاف يضيف إذا أتى إنسانا لطلب القرى ، ثم سمي به ، ولذلك وحد في اللفظ وهم جماعة .

فإن قيل : كيف سماهم ضيفا مع امتناعهم عن الأكل ؟

قلنا : لما ظن إبراهيم أنهم إنما دخلوا عليه لطلب الضيافة جاز تسميتهم بذلك . وقيل أيضا : إن من يدخل دار الإنسان ويلتجئ إليه يسمى ضيفا وإن لم يأكل .