مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (42)

{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم }

اعلم أن إبليس لما قال : { لأزينن لهم فى الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } أوهم هذا الكلام أن له سلطانا على عباد الله الذين يكونون من المخلصين ، فبين تعالى في هذه الآية أنه ليس له سلطان على أحد من عبيد الله سواء كانوا مخلصين أو لم يكونوا مخلصين ، بل من اتبع منهم إبليس باختياره صار متبعا له ، ولكن حصول تلك المتابعة أيضا ليس لأجل أن إبليس يقهره على تلك المتابعة أو يجبره عليها ، والحاصل في هذا القول : أن إبليس أوهم أن له على بعض عباد الله سلطانا ، فبين تعالى كذبه فيه ، وذكر أنه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلا ، ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال : { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } وقال تعالى في آية أخرى : { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } قال الجبائي : هذه الآية تدل على بطلان قول من زعم أن الشيطان والجن يمكنهم صرع الناس وإزالة عقولهم كما يقوله العامة ، وربما نسبوا ذلك إلى السحرة قال : وذلك خلاف ما نص الله تعالى عليه ، وفي الآية قول آخر ، وهو أن إبليس لما قال : { إلا عبادك منهم المخلصين } فذكر أنه لا يقدر على إغواء المخلصين صدقه الله في هذا الاستثناء فقال : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } فلهذا قال الكلبي : العباد المذكورون في هذه الآية هم الذين استثناهم إبليس .

واعلم أن على القول الأول يمكن أن يكون قوله : { إلا من اتبعك } استثناء ، لأن المعنى : أن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين فإن لك عليهم سلطانا بسبب كونهم منقادين لك في الأمر والنهي .

وأما على القول الثاني فيمتنع أن يكون استثناء ، بل تكون لفظة ( إلا ) بمعنى لكن .