روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱجۡعَل لِّي وَزِيرٗا مِّنۡ أَهۡلِي} (29)

{ واجعل لي وَزِيراً مّنْ أهلي هارون أخي } أي معاونا في تحمل أعباء ما كلفته على أن اشتقاقه من الوزر بكسر فسكون بمعنى الحمل الثقيل فهو في الأصل صفة من ذلك ومعناه صاحب وزر أي حامل حمل ثقيل ، وسمي القائم بأمر الملك بذلك لأنه يحمل عنه وزر الأمور وثقلها أو ملجأ اعتصم برأيه على أن اشتقاقه من الوزر بفاحتين وأصله الجبل يتحصن به ثم استعمل بمعنى الملجأ مطلقاً كما في قوله :

شر السباع الضوارى دونه وزر *** والناس شرهم ما دونه وزر

كم معشر سلموا لم يأذهم سبع *** وما ترى بشرا لم يؤذه بشر

وسمي وزير الملك بذلك لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجيء إليه في أمره فهو فعيل بمعنى مفعول على الحذف والإيصال أي ملجوء إليه أو هو للنسب ، وقيل : أصله أزير من الأزر بمعنى القوة ففعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واواً كقلبها في موازر وقلبت فيه لانضمام ما قبلها ووزير بمعناه فحمل عليه وحمل النظير على النظير كثير في كلامهم إلا أنه سمع مؤازر من غير إبدال ولم يسمع أزير بدونه على أنه مع وجود الاشتقاق الواضح وهو ما تقدم لا حاجة إلى هذا الاشتقاق وادعاء القلب . ونصبه على أنه مفعول ثان { لا * جَعَلَ } قدم على الأول الذي هو قوله تعالى : { هارون } اعتناء بشأن الوزارة لأنها المطلوبة و { لِى } صلة للجعل أو متعلق بمحذوف وقع حالا من وزيرا وهو صفة له في الأصل و { مّنْ أَهْلِى } إما صفة لوزيراً أو صلة لا جعل ، وقيل : مفعولاه { لي وَزِيراً } و { مّنْ أهلي } على ما مر من الوجهين .

من باب الإشارة : { واجعل لّي وَزِيراً مّنْ أَهْلِي هارون أَخِي اشدد بِهِ أَزْرِى وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } [ طه : 29-32 ] فيه إشارة إلى فضيلة التعاون في الدين فإنه من أخلاق المرسلين عليهم صلوات الله تعالى وسلامه أجمعين ، والوزارة المتعارفة بين الناس ممدوحة إن زرع الوزير في أرضها ما لا يندم عليه وقت حصاده بين يدي ملك الملوك ، وفيه إشارة أيضاً إلى فضيلة التوسط بالخير للمستحقين لاسيما إذا كانوا من ذوي القرابة :

ومن منع المستوجبين فقد ظلم *** وفي تقديم موسى عليه السلام مع أنه أصغر سناً على هارون عليه السلام مع أنه الأكبر دليل على أن الفضل غير تابع للسن فالله تعالى يختص بفضله من يشاء