وثالثها : قوله : { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون } أم ههنا منقطعة ، معناه بل تحسب ، وذلك يدل على أن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها ، وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول ، لأنهم لشدة عنادهم لا يصغون إلى الكلام ، وإذا سمعوه لا يتفكرون فيه ، فكأنه ليس لهم عقل ولا سمع البتة ، فعند ذلك شبههم بالأنعام في عدم انتفاعهم بالكلام وعدم إقدامهم على التدبر والتفكر وإقبالهم على اللذات الحاضرة الحسية وإعراضهم عن طلب السعادات الباقية العقلية وها هنا سؤالات :
السؤال الأول : لم قال : { أم تحسب أن أكثرهم } فحكم بذلك على الأكثر دون الكل ؟ والجواب : لأنه كان فيهم من يعرف الله تعالى ويعقل الحق ، إلا أنه ترك الإسلام لمجرد حب الرياسة لا للجهل .
السؤال الثاني : لم جعلوا أضل من الأنعام ؟ الجواب : من وجوه . أحدها : أن الأنعام تنقاد لأربابها وللذي يعلفها ويتعهدها وتميز بين من يحسن إليها وبين من يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يميزون بين إحسانه إليهم وبين إساءة الشيطان إليهم الذين هو عدو لهم ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يحترزون من العقاب الذي هو أعظم المضار . وثانيها : أن قلوب الأنعام كما أنها تكون خالية عن العلم فهي خالية عن الجهل الذي هو اعتقاد المعتقد على خلاف ما هو عليه مع التصميم . وأما هؤلاء فقلوبهم كما خلت عن العلم فقد اتصفت بالجهل فإنهم لا يعلمون ولا يعلمون أنهم لا يعلمون ، بل هم مصرون على أنهم يعلمون . وثالثها : أن عدم علم الأنعام لا يضر بأحد . أما جهل هؤلاء فإنه منشأ للضرر العظيم ، لأنهم يصدون الناس عن سبيل الله ويبغونها عوجا . ورابعها : أن الأنعام لا تعرف شيئا ولكنهم عاجزون عن الطلب . وأما هؤلاء الجهال فإنهم ليسوا عاجزين عن الطلب ، والمحروم عن طلب المراتب العالية إذا عجز عنه لا يكون في استحقاق الذم كالقادر عليه التارك له لسوء اختياره . وخامسها : أن البهائم لا تستحق عقابا على عدم العلم ، أما هؤلاء فإنهم يستحقون عليه أعظم العقاب . وسادسها : أن البهائم تسبح الله تعالى على مذهب بعض الناس على ما قال { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } وقال : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات } إلى قوله : { والدواب } وقال : { والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه } وإذا كان كذلك فضلال الكفار أشد وأعظم من ضلال هذه الأنعام .
السؤال الثالث : أنه سبحانه لما نفى عنهم السمع والعقل ، فكيف ذمهم على الإعراض عن الدين وكيف بعث الرسول إليهم فإن من شرط التكليف العقل ؟ الجواب : ليس المراد أنهم لا يعقلون بل إنهم لا ينتفعون بذلك العقل ، فهو كقول الرجل لغيره إذا لم يفهم إنما أنت أعمى وأصم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.