مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا وَٱلنَّوۡمَ سُبَاتٗا وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُورٗا} (47)

النوع الثاني : قوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا } اعلم أنه تعالى شبه الليل من حيث إنه يستر الكل ويغطي باللباس الساتر للبدن ، ونبه على ما لنا فيه من النفع بقوله : { والنوم سباتا } والسبات هو الراحة وجعل النوم سباتا لأنه سبب للراحة قال أبو مسلم : السبات الراحة . ومنه يوم السبت لما جرت به العادة من الاستراحة فيه ، ويقال للعليل إذا استراح من تعب العلة مسبوت ، وقال صاحب الكشاف السبات الموت والمسبوت الميت لأنه مقطوع الحياة قال : وهذا كقوله : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } وإنما قلنا إن تفسيره بالموت أولى من تفسيره بالراحة ، لأن النشور في مقابلته يأباه ، قال أبو مسلم : { وجعل النهار نشورا } هو بمعنى الانتشار والحركة كما سمى تعالى نوم الإنسان وفاة ، فقال : { الله يتوفي الأنفس حين موتها } والتي لم تمت في منامها كذلك وفق بين القيام من النوم والقيام من الموت في التسمية بالنشور ، وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمه على خلقه ، لأن الاحتجاب بستر الليل كم فيه لكثير من الناس من فوائد دينية ودنيوية ، والنوم واليقظة شبههما بالموت والحياة ، وعن لقمان أنه قال لابنه : كما تنام فتوقظ ، كذلك تموت فتنشر .