مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱئۡتِ ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (10)

قوله تعالى : { وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون } .

اختلف أهل السنة في النداء الذي سمعه موسى عليه السلام من الله تعالى ، هل هو كلامه القديم أو هو ضرب من الأصوات ، فقال أبو الحسن الأشعري : المسموع هو الكلام القديم ، وكما أن ذاته تعالى لا تشبه سائر الأشياء ، مع أن الدليل دل على أنها معلومة ومرتبة ، فكذا كلامه منزه عن مشابهة الحروف والأصوات مع أنه مسموع ، وقال أبو منصور الماتريدي : الذي سمعه موسى عليه السلام كان نداء من جنس الحروف والأصوات ، وذلك لأن الدليل لما دل على أنا رأينا الجوهر والعرض ، ولابد من علة مشتركة بينهما لصحة الرؤية ، ولا علة إلا الوجود ، حكمنا بأن كل موجود يصح أن يرى ، ولم يثبت عندنا أنا نسمع الأصوات والأجسام حتى يحكم بأنه لابد من مشترك بين الجسم والصوت ، فلم يلزم صحة كون كل موجود مسموعا فظهر الفرق ، أما المعتزلة فقد اتفقوا على أن ذلك المسموع ما كان إلا حروفا وأصواتا ، فعند هذا قالوا إن ذلك النداء وقع على وجه علم به موسى عليه السلام أنه من قبل الله تعالى ، فصار معجزا علم به أن الله مخاطب له فلم يحتج مع ذلك إلى واسطة ، وكفي في الوقت أن يحمله الرسالة التي هي { أن ائت القوم الظالمين } لأن في بدء البعثة يجب أن يأمره بالدعاء إلى التوحيد ، ثم بعده يأمره بالأحكام ، ولا يجوز أن يأمره تعالى بذلك إلا وقد عرفه أنه ستظهر عليه المعجزات إذا طولب بذلك .

أما قوله تعالى : { أن ائت القوم الظالمين } فالمعنى أنه تعالى سجل عليهم بالظلم ، وقد استحقوا هذا الاسم من وجهين من وجه ظلمهم أنفسهم بكفرهم ، ومن وجه ظلمهم لبني إسرائيل .