مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

قوله تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا } .

الصفة السادسة : اعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر أن من صفة عباد الرحمان الاحتراز عن الشرك والقتل والزنا ، ثم ذكر بعد ذلك حكم من يفعل هذه الأشياء من العقاب ، ثم استثنى من جملتهم التائب ، وههنا سؤالات :

السؤال الأول : أنه تعالى قبل ذكر هذه الصفة نزه عباد الرحمان عن الأمور الخفيفة ، فكيف يليق بعد ذلك أن يطهرهم عن الأمور العظيمة مثل الشرك والقتل والزنا ، أليس أنه لو كان الترتيب بالعكس منه كان أولى ؟ الجواب : أن الموصوف بتلك الصفات السالفة قد يكون متمسكا بالشرك تدينا ومقدما على قتل الموءودة تدينا وعلى الزنا تدينا ، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمان ، حتى يضاف إلى ذلك كونه مجانبا لهذه الكبائر ، وأجاب الحسن رحمه الله من وجه آخر فقال : المقصود من ذلك التنبيه على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار ، كأنه قال : وعباد الرحمان هم الذين لا يدعون مع الله إلها آخر وأنت تدعون { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } وأنتم تقتلون الموءودة ، { ولا يزنون } وأنتم تزنون .

السؤال الثاني : ما معنى قوله : { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } ومعلوم أنه من يحل قتله لا يدخل في النفس المحرمة فكيف يصح هذا الاستثناء ؟ الجواب : المقتضى لحرمة القتل قائم أبدا ، وجواز القتل إنما ثبت بالمعارض فقوله : { حرم الله } إشارة إلى المقتضى وقوله { إلا بالحق } إشارة إلى المعارض .

السؤال الثالث : بأي سبب يحل القتل ؟ الجواب : بالردة وبالزنا بعد الإحصان ، وبالقتل قودا على ما في الحديث ، وقيل وبالمحاربة وبالبينة ، وإن لم يكن لما شهدت به حقيقة .

السؤال الرابع : منهم من فسر قوله : { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } بالردة فهل يصح ذلك ؟ الجواب : لفظ القتل عام فيتناول الكل . وعن ابن مسعود «قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قلت ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك ، قلت ثم أي ؟ قال أن تزني بحليلة جارك » فأنزل الله تصديقه .

السؤال الخامس : ما الأثام ؟ الجواب : فيه وجوه . أحدها : أن الأثام جزاء الإثم ، بوزن الوبال والنكال . وثانيها : وهو قول أبي مسلم : أن الأثام والإثم واحد ، والمراد ههنا جزاء الأثام فأطلق اسم الشيء على جزائه . وثالثها : قال الحسن : الأثام اسم من أسماء جهنم وقال مجاهد : { أثاما } واد في جهنم ، وقرأ ابن مسعود { أثاما } أي شديدا ، يقال يوم ذو أثام لليوم العصيب .