مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَۚ أَلَا يَتَّقُونَ} (11)

أما قوله : { قوم فرعون } فقد عطف ( قوم فرعون ) على ( القوم الظالمين ) عطف بيان ، كأن القوم الظالمين وقوم فرعون لفظان يدلان على معنى واحد .

وأما قوله : { ألا يتقون } فقرئ ( ألا يتقون ) بكسر النون ، بمعنى ألا يتقونني ، فحذفت النون لاجتماع النونين والياء للاكتفاء بالكسرة ، وقوله : { ألا يتقون } كلام مستأنف أتبعه تعالى إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم ، تعجيبا لموسى عليه السلام من حالهم في الظلم والعسف ، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم ، ويحتمل أن يكون { ألا يتقون } حالا من الضمير في ( الظالمين ) أي يظلمون غير متقين الله وعقابه ، فأدخلت همزة الإنكار على الحال ، ووجه ثالث وهو أن يكون المعنى ألا يا ناس اتقون ، كقوله : ( ألا يسجدوا ) . وأما من قرأ ( ألا تتقون ) على الخطاب ، فعلى طريقة الالتفات إليهم وصرف وجوههم بالإنكار والغضب عليهم ، كما يرى من يشكو ممن ركب جناية والجاني حاضر ، فإذا اندفع في الشكاية وحمى غضبه ، قطع مباثة صاحبه وأقبل على الجاني يوبخه ويعنفه به ، ويقول له ألا تتقي الله ألا تستحي من الناس ، فإن قلت : فما الفائدة في هذا الالتفات والخطاب مع موسى عليه السلام في وقت المناجاة ، والملتفت إليهم غائبون لا يشعرون ؟ قلت : إجراء ذلك في تكليم المرسل إليهم في معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم ، لأنه مبلغهم ومنهيه إليهم ، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى ، وكم من آية نزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين تدبرا لها واعتبارا بمواردها .