الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَۚ أَلَا يَتَّقُونَ} (11)

ثم عطفهم عليهم عطف البيان ، كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد : إن شاء ذاكرهم عبر عنهم بالقوم الظالمين ، وإن شاء عبر بقوم فرعون . وقد استحقوا هذا الاسم من جهتين : من جهة ظلمهم أنفسهم بالكفر وشرارتهم ، ومن جهة ظلمهم لبني إسرائيل باستعبادهم لهم . قرىء : «ألا يتقون » بكسر النون ، بمعنى : ألا يتقونني : فحذفت النون لاجتماع النونين ، والياء للاكتفاء بالكسرة .

فإن قلت : بما تعلق قوله : ألا يتقون ؟ قلت : هو كلام مستأنف أتبعه عز وجل إرساله إليهم للإنذار ، والتسجيل عليهم بالظلم . تعجيباً لموسى من حالهم التي شنعت في الظلم والعسف ، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله . ويحتمل أن يكون { أَلاَ يَتَّقُونَ } حالاً من الضمير في الظالمين ، أي : يظلمون غير متقين الله وعقابه ، فأدخلت همزة الإنكار على الحال . وأمّا من قرأ : ألا تتقون . على الخطاب . فعلى طريقة الالتفات إليهم ، وجبههم ، وضرب وجوههم بالإنكار ، والغضب عليهم ، كما ترى من يشكو من ركب جناية إلى بعض أخصائه والجاني حاضر ، فإذا اندفع في الشكاية وحرّ مزاجه وحمى غضبه قطع مباثة صاحبه وأقبل على الجاني يوبخه ويعنف به ويقول له : ألم تتق الله ، ألم تستح من الناس .

فإن قلت : فما فائدة هذا الإلتفات ، والخطاب مع موسى عليه الصلاة والسلام في وقت المناجاة ، والملتفت إليهم غيب لا يشعرون ؟ قلت : إجراء ذلك في تكليم المرسل إليهم في معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم ، لأنه مبلغه ومنهيه وناشره بين الناس ، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى ، وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين ، تدبراً لها واعتباراً بموردها . وفي { أَلا يَتَّقُونَ } بالياء وكسر النون وجه آخر ، وهو أن يكون المعنى : ألا يا ناس اتقون ، كقوله : { ألا يسجدوا } [ النمل : 25 ]