البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَۚ أَلَا يَتَّقُونَ} (11)

و{ قوم فرعون } ، وقيل : بدل من { القوم الظالمين } ، والأجود أن يكون عطف بيان لأنهما عبارتان يعتقبان على مدلول واحد ، إذ كل واحد عطف البيان ، وسوغه مستقل بالإسناد .

ولما كان القوم الظالمين يوهم الاشتراك ، أتى عطف البيان بإزالته ، إذ هو أشهر .

وقرأ الجمهور : ألا يتقون ، بالياء على الغيبة .

وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار ، وشقيق بن سلمة ، وحماد بن سلمة ، وأبو قلابة : بتاء الخطاب ، على طريقة الالتفات إليهم إنكاراً وغضباً عليهم ، وإن لم يكونوا حاضرين ، لأنه مبلغهم ذلك ومكافحهم .

قال ابن عطية : معناه قل لهم ، فجمع في هذه العبارة من المعاني نفي التقوى عنهم وأمرهم بالتقوى .

وقال الزمخشري : فإن قلت : بم تعلق قوله : { ألا يتقون } ؟ قلت : هو كلام مستأنف اتبعه عز وجل إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم تعجيباً لموسى عليه السلام من حالهم التي سعت في الظلم والعسف ، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله .

ويحتمل أن يكون ألا يتقون حالاً من الضمير في الظالمين ، أي يظلمون غير متقين الله وعقابه ، فأدخلت همزة الإنكار على الحال . انتهى .

وهذا الاحتمال الذي أورده خطأ فاحش لأنه جعله حالاً من الضمير في الظالمين ، وقد أعرب هو { قوم فرعون } عطف بيان ، فصار فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي بينهما ، لأن قوم فرعون معمول لقوله : { ائت } والذي زعم أنه حال معمول لقوله الظالمين ، وذلك لا يجوز أيضاً لو لم يفصل بينهما بقوله : قوم فرعون .

لم يجز أن تكون الجملة حالاً ، لأن ما بعد الهمزة يمتنع أن يكون معمولاً لما قبلها .

وقولك : جئت أمسرعاً ؟ على أن يكون أمسرعاً حالاً من الضمير في جئت لا يجوز ، فلو أضمرت عاملاً بعد الهمزة جاز .

وقرىء : بفتح النون وكسرها ، التقدير : أفلا يتقونني ؟ فحذفت نون الرفع لالتقاء الساكنين ، وياء المتكلم اكتفاء بالكسرة .

وقال الزمخشري : في ألا يتقون بالياء وكسر النون وجه آخر ، وهو أن يكون المعنى : ألا يا ناس اتقون ، كقوله : { ألا يسجدوا } انتهى .

يعني : وحذف ألف ياخطاً ونطقاً لالتقاء الساكنين ، وهذا تخريج بعيد .

والظاهر أن ألا للعرض المضمن الحض على التقوى ، وقول من قال إنها للتنبيه لا يصح ، وكذلك قول الزمخشري : إنها للنفي دخلت عليها همزة الإنكار .