مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (37)

ثم إن قومه كذبوه بعدما بلغ وبين ، فحكى الله عنهم ذلك بقوله : { فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين } وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : ما حكى عن شعيب أمر ونهي والأمر لا يصدق ولا يكذب ، فإن من قال لغيره قم لا يصح أن يقول له كذبت ، فنقول كان شعيب يقول الله واحد فاعبدوه ، والحشر كائن فارجوه ، والفساد محرم فلا تقربوه ، وهذه الأشياء فيها إخبارات فكذبوه فيما أخبرهم به .

المسألة الثانية : قال ههنا وفي الأعراف : { فأخذتهم الرجفة } وقال في هود : { وأخذتهم الصيحة } والحكاية واحدة ، نقول لا تعارض بينهما فإن الصيحة كانت سببا للرجفة ، إما لرجفة الأرض إذ قيل إن جبريل صاح فتزلزلت الأرض من صيحته ، وإما لرجفة الأفئدة فإن قلوبهم ارتجفت منها ، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب ، إذ يصح أن يقال روى فقوي ، وأن يقال شرب فقوي في صورة واحدة .

المسألة الثالثة : حيث قال : { فأخذتهم الصيحة } قال : { في ديارهم } وحيث قال : { فأخذتهم الرجفة } قال : { في دارهم } فنقول المراد من الدار هو الديار ، والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع ، وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمن الالتباس ، وإنما اختلف اللفظ للطيفة ، وهي أن الرجفة هائلة في نفسها فلم يحتج إلى مهول ، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها لكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أحدثت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع ، حتى تعلم هيبتها والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كل أحد فلم يحتج إلى معظم لأمرها ، وقيل إن الصيحة كانت أعم حيث عمت الأرض والجو ، والزلزلة لم تكن إلا في الأرض فذكر الديار هناك غير أن هذا ضعيف لأن الدار والديار موضع الجثوم لا موضع الصيحة والرجفة ، فهم ما أصبحوا جاثمين إلا في ديارهم .