اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (37)

قوله : { فكذبوه فأخذتهم الرجفة } .

فإن قيل : ( ما الحكمة ){[41463]} فيما حكاه الله عن شعيب من أمر ونهي ، فالأمر لا يكذب ، ولا يصدق ، فإن قال لغيره اعبد الله لا يقال له : كذبت ؟ .

فالجواب : كان شعيب يقول : الله واحد فاعبدوه ، والحشر كائن فارجوه ، والفساد محرم فلا تقربوه ، وهذه فيها إخبارات ، فكذبوه بما أخبر به .

( فإن قيل{[41464]} هنا ) قال في الأعراف : «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ » وقال في هود : «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ » والحكاية واحدة .

( فالجواب ){[41465]} : لا تعارض بينهما ، فإن الصيحة كانت سبباً للرجفة ، قيل : إن جبريل صاح فتزلزلت الأرض من صيحته ، فرجفت قلوبهم ، والإضافة إلى السبب لا تنافي الإضافة إلى سبب السبب .

فإن قيل : ما الحكمة في أنه حيث قال : «فأخذتهم الصَّيْحَةُ » قال : «في دِيَارِهِمْ » وحيث قال : «فأخذتهم الرجفة » قال في «دَارِهِمْ » ؟ .

فالجواب : أنّ المراد من الدارِ هو الديار ، والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع ، وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمِنَ ( مِنَ ){[41466]} الالْتِباسِ ، وإنما اختلف اللفظ لِلطيفة وهي أن اللطيفة{[41467]} هائلة في نفسها ، فلم يحتج إلى تهول بها ، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها ولكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أحدثت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع حتى يعلم هيئتها ، والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كل أحد فلم يُحْتَجْ إلى معظِّمٍ{[41468]} لأمرها ، وقيل : إن الصيحة كانت أعظم حيث عمت الأرض والجو والزلزلة لم تكن إلا في الأرض فذكر الديار هنا{[41469]} ، وهذا ضعيف لأن الدار والديار موضع الجثوم لا موضع الصيحة والرجفة فهم ما أصبحوا جاثمين إلا في ديارهم أو دارهم{[41470]} .


[41463]:زائد من "ب" فأما ما في "أ" فهو فإن قيل ما حكاه الله الخ...
[41464]:في "ب" فصل: قال ههنا.
[41465]:ساقط من "ب".
[41466]:زيادة من "ب".
[41467]:في "ب" الرجفة وهو الأقرب والصواب.
[41468]:في "ب" تعظيم.
[41469]:في "ب" هناك.
[41470]:انظر: التفسير الكبير للفخر الرازي 25/66.