اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ يَغۡشَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۡ وَيَقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (55)

ثم ذكر كيفية إحاطة جهنم فقال : { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العذاب مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } .

فإن قيل : لم يخص{[41619]} الجانبين ولم يذكر اليمين والشمال وخلفَ وقُدَّام ؟ .

فالجواب : أن المقصود ذكر ما تتميز به نار جهنم عن نار الدنيا ، ( ونار ){[41620]} الدنيا تحيط بالجوانب الأربعة فإن من دخلها تكون الشعلة قدامَهُ وخلفَه ويمينَه ويَسَارَه{[41621]} ، فأمّا النار من فوق لا تنزل وإنما تصعد من أسفلَ في العادة وتحت الأقدام ، ولا تبقى الشعلة بل تنطفئ الشعلة التي تحت القدم ، ونار جهنم تنزل من فوق ولا تنطفئ بالدوس موضع القدم{[41622]} .

فإن قيل : ما الحكمة في قوله : { من فوقهم ومن تحت أرجلهم } ولم يقل : من فوق رؤوسهم ولا قال من فوقهم «ولا من{[41623]} تحتهم » بل ذكر المضاف إليه عند ذكر «تحت » ولم يذكره عند ذكر «فوق » ؟ .

فالجواب : أن نزول النار من «فوق » سواء كان من ( سمت ){[41624]} الرأس أو موضع آخر عجيب{[41625]} فلهذا لم يخصه بالرؤوس وأما بقاء النار تحت القدم فهو عجيب ، وإلا فمن جواب القدم في الدنيا تكون الشعلة فذكر العجيب وهو ما تحت الأرجل حيث لم ينطق بالدّوس . وأما «فوق » فعلى الإطلاق .

قوله : «وَيَقُولُ ذُوقُوا » قرأ نافع وأهل الكوفة «ويقول » بياء الغيبة أي الله تعالى ، أو الملك الموكل بعذابهم ، وباقي السبعة بالنون أي جماعة الملائكة ، أو نون العظمة لله تعالى{[41626]} ، وأبو البَرَهْشَم{[41627]} بالتاء من فوق أي جهنم كقوله : { وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] وعبد الله{[41628]} وابن أبي{[41629]} عَبْلَةَ : «ويُقَالُ » مبنياً للمفعول{[41630]} ، وقوله : { مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي جزاء ما كنتم تعملون لما بين عذاب أجسامهم بين عذاب أرواحهم وهو أن يقال لهم على سبيل التنكيل والإهانة { ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } جعل ذلك عين ما كانوا يعملون مبالغة بطريق إطلاق اسم المُسبَّب على السَّبَب ، فإن عملهم كان سبباً لعذابهم وهذا كثير في الاستعمال .


[41619]:في "ب" اختص الجانبين.
[41620]:ساقط من "ب".
[41621]:في "ب" وشماله.
[41622]:انظر: تفسير الفخر الرازي 15/81 و 82.
[41623]:ساقط من "ب".
[41624]:ساقط من "ب".
[41625]:هكذا في عبارة "أ" والفخر الرازي وفي "ب" لأن طبع النار الصعود إلى فوق فلهذا لم يخصه الخ.
[41626]:الإتحاف 6/34، والسبعة 501، والكشف 2/180.
[41627]:أبو البرهشم: عمران بن عثمان أبو البرهشم الزبيدي الشامي، صاحب القراءة الشاذة، روى الحروف عن يزيد بن قطيب السكوني وروى الحروف عنه شريح بن يزيد. انظر: غاية النهاية 1/604 و 605.
[41628]:هو ابن مسعود ونقلته "ب" خطأ فهو فيها "عبيد الله".
[41629]:تقدم.
[41630]:انظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيان 7/156.