مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} (120)

ثم قال تعالى : { يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } واعلم أنا بينا في الآية المتقدمة أن عمدة أمر الشيطان إنما هو بإلقاء الأماني في القلب ، وأما تبتيك الآذان وتغيير الخلقة فذاك من نتائج إلقاء الأماني في القلب ومن آثاره ، فلا جرم نبه الله تعالى على ما هو العمدة في دفع تلك الأماني وهو أن تلك الأماني لا تفيد إلا الغرور ، والغرور هو أن يظن الإنسان بالشيء أنه نافع ولذيذ ، ثم يتبين اشتماله على أعظم الآلام والمضار ، وجميع أحوال الدنيا كذلك ، والعاقل يجب عليه أن لا يلتفت إلى شيء منها ، ومثال هذا أن الشيطان يلقي في قلب الإنسان أنه سيطول عمره وينال من الدنيا أمله ومقصوده ، ويستولي على أعدائه ، ويقع في قلبه أن الدنيا دول فربما تيسرت له كما تيسرت لغيره ، إلا أن كل ذلك غرور فإنه ربما لم يطل عمره ، وإن طال فربما لم يجد مطلوبه ، وإن طال عمره ووجد مطلوبه على أحسن الوجوه فإنه لابد وأن يكون عند الموت في أعظم أنواع الغم والحسرة فإن المطلوب كلما كان ألذ وأشهى وكان الألف معه أدوم وأبقى كانت مفارقته أشد إيلاما وأعظم تأثيرا في حصول الغم والحسرة ، فظهر أن هذه الآية منبهة على ما هو العمدة والقاعدة في هذا الباب .

وفي الآية وجه آخر : وهو أن الشيطان يعدهم بأنه لا قيامة ولا جزاء فاجتهدوا في استيفاء اللذات الدنيوية .