مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

ولما ذكر الله الوعيد أردفه بالوعد فقال : { والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا } .

واعلم أنه تعالى في أكثر آيات الوعد ذكر { خالدين فيها أبدا } ولو كان الخلود يفيد التأبيد والدوام للزم التكرار وهو خلاف الأصل ، فعلمنا أن الخلود عبارة عن طول المكث لا عن الدوام ، وأما في آيات الوعيد فإنه يذكر الخلود ولم يذكر التأبيد إلا في حق الكفار ، وذلك يدل على أن عقاب الفساق منقطع .

ثم قال : { وعد الله حقا } قال صاحب الكشاف : هما مصدران : الأول : مؤكد لنفسه ، كأنه قال : وعد وعدا ، وحقا مصدر مؤكد لغيره ، أي حق ذلك حقا .

ثم قال : { ومن أصدق من الله قيلا } وهو توكيد ثالث بليغ . وفائدة هذه التوكيدات معارضة ما ذكره الشيطان لأتباعه من المواعيد الكاذبة والأماني الباطلة ، والتنبيه على أن وعد الله أولى بالقبول وأحق بالتصديق من قول الشيطان الذي ليس أحد أكذب منه ، وقرأ حمزة والكسائي { أصدق من الله قيلا } بإشمام الصاد الزاي ، وكذلك كل صاد ساكنة بعدها دال في القرآن نحو { قصد السبيل } { فاصدع بما تؤمر } والقيل : مصدر قال قولا وقيلا ، وقال ابن السكيت : القيل والقال اسمان لا مصدران .