مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} (92)

وسابعها : أنه تعالى قال بعد ذلك : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا } فظاهره أن المراد وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما تقدم ذكره من أمرهما بالاجتناب عن الخمر والميسر ، وقوله { واحذروا } أي احذروا عن مخالفتها في هذه التكاليف . وثامنها : قوله { فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين } وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد في حق من خالف في هذا التكليف وأعرض فيه عن حكم الله ، وبيانه ، يعني أنكم إن توليتم فالحجة قد قامت عليكم والرسول قد خرج عن عهدة التبليغ والإعذار والإنذار ، فأما ما وراء ذلك من عقاب من خالف هذا التكليف وأعرض عنه فذاك إلى الله تعالى ، ولا شك أنه تهديد شديد ، فصار كل واحد من هذه الوجوه الثمانية دليلا قاهرا وبرهانا باهرا في تحريم الخمر .

واعلم أن من أنصف وترك الاعتساف علم أن هذه الآية نص صريح في أن كل مسكر حرام ، وذلك لأنه تعالى لما ذكر قوله { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة } قال بعده { فهل أنتم منتهون } فرتب النهي عن شرب الخمر على كون الخمر مشتملة على تلك المفاسد ، ومن المعلوم في بدائة العقول أن تلك المفاسد إنما تولدت من كونها مؤثرة في السكر وهذا يفيد القطع بأن علة قوله { فهل أنتم منتهون } هي كون الخمر مؤثرا في الإسكار ، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن كل مسكر حرام ، ومن أحاط عقله بهذا التقدير وبقي مصرا على قوله فليس لعناده علاج ، والله أعلم .