مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ} (32)

المسألة الرابعة : هذه الحكاية بعينها هي المحكية في هود ، وهناك قالوا : { إنا أرسلنا } بعد ما زال عنه الروع وبشروه ، وهنا قالوا : { إنا أرسلنا } بعدما سألهم عن الخطب ، وأيضا قالوا هناك : { إنا أرسلنا إلى قوم لوط } وقالوا هاهنا : { إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } والحكاية من قولهم ، فإن لم يقولوا ذلك ورد السؤال أيضا ، فنقول إذا قال قائل حاكيا عن زيد : قال زيد عمرو خرج ، ثم يقول مرة أخرى : قال زيد إن بكرا خرج ، فإما أن يكون صدر من زيد قولان ، وإما أن لا يكون حاكيا مما قاله زيد ، والجواب عن ( الأول ) هو أنه لما خاف جاز أنهم ما قالوا له { لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط } فلما قال لهم ماذا تفعلون بهم ، كان لهم أن يقولوا : { إنا أرسلنا إلى قوم لوط } لنهلكهم ، كما يقول القائل : خرجت من البيت ، فيقال : لماذا خرجت ؟ فيقول : خرجت لأتجر ، لكن هاهنا فائدة معنوية ، وهي أنهم إنما قالوا في جواب { ما خطبكم } نهلكهم ؟ بأمر الله ، لتعلم براءتهم عن إيلام البريء ، وإهمال الرديء فأعادوا لفظ الإرسال ، وأما عن ( الثاني ) نقول الحكاية قد تكون حكاية اللفظ ، كما تقول : قال زيد بعمرو مررت ، فيحكي لفظه المحكي ، وقد يكون حكاية لكلامه بمعناه تقول : زيد قال عمرو خرج ، ولك أن تبدل مرة أخرى في غير تلك الحكاية بلفظة أخرى ، فتقول لما قال زيد بكر خرج ، قلت كيت وكيت ، كذلك هاهنا القرآن لفظ معجز ، وما صدر ممن تقدم نبينا عليه السلام سواء كان منهم ، وسواء كان منزلا عليهم لم يكن لفظه معجزا ، فيلزم أن لا تكون هذه الحكايات بتلك الألفاظ ، فكأنهم قالوا له : { إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } وقالوا : { إنا أرسلنا إلى قوم لوط } وله أن يقول ، إنا أرسلنا إلى قوم من آمن بك ، لأنه لا يحكي لفظهم حتى يكون ذلك واحدا ، بل يحكى كلامهم بمعناه وله عبارات كثيرة . ألا ترى أنه تعالى لما حكى لفظهم في السلام على أحد الوجوه في التفسير ، قال في الموضعين : سلاما وسلام ثم بين ما لأجله أرسلوا بقوله : { لنرسل عليهم حجارة من طين } .