مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

قوله تعالى : { فتولى بركنه } فيه وجوه : ( الأول ) الباء للمصاحبة ، والركن إشارة إلى القوم كأنه تعالى يقول : أعرض مع قومه ، يقال نزل فلان بعسكره على كذا ، ويدل على هذا الوجه قوله تعالى : { فأراه الآية الكبرى * فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى } قال : { أدبر } وهو بمعنى تولى وقوله : { فحشر فنادى } وفي معنى قوله تعالى : { بركنه } . ( الثاني ) { فتولى } أي اتخذ وليا ، والباء للتعدية حينئذ يعني تقوى بجنده . ( والثالث ) تولى أمر موسى بقوته ، كأنه قال : أقتل موسى لئلا يبدل دينكم ، ولا يظهر في الأرض الفساد ، فتولى أمره بنفسه ، وحينئذ يكون المفعول غير مذكور ، وركنه هو نفسه القوية ، ويحتمل أن يكون المراد من ركنه هامان ، فإنه كان وزيره ، وعلى هذا الوجه الثاني أظهر .

{ وقال ساحر أو مجنون } أي هذا ساحر أو مجنون ، وقوله : { ساحر } أي يأتي الجن بسحره أو يقرب منهم ، والجن يقربون منه ويقصدونه إن كان هو لا يقصدهم ، فالساحر والمجنون كلاهما أمره مع الجن ، غير أن الساحر يأتيهم باختياره ، والمجنون يأتونه من غير اختياره ، فكأنه أراد صيانة كلامه عن الكذب فقال هو يسحر الجن أو يسحر ، فإن كان ليس عنده منه خبر ، ولا يقصد ذلك فالجن يأتونه .