مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ثُمَّ يُجۡزَىٰهُ ٱلۡجَزَآءَ ٱلۡأَوۡفَىٰ} (41)

{ ثم يجزاه الجزاء الأوفى }

المسألة الثانية : الهاء ضمير السعي أي ثم يجزى الإنسان سعيه بالجزاء ، والجزاء يتعدى إلى مفعولين قال تعالى : { وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا } ويقال : جزاك الله خيرا ، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف يقال : جزاه الله على عمله الخير الجنة ، ويحذف الجار ويوصل الفعل فيقال : جزاه الله عمله الخير الجنة ، هذا وجه ، وفيه وجه آخر وهو أن الضمير للجزاء ، وتقديره ثم يجزى جزاء ويكون قوله : { الجزاء الأوفى } تفسيرا أو بدلا مثل قوله تعالى : { وأسروا النجوى الذين ظلموا } فإن التقدير والذين ظلموا أسروا النجوى ، الذين ظلموا ، والجزاء الأوفى على ما ذكرنا يليق بالمؤمنين الصالحين لأنه جزاء الصالح ، وإن قال تعالى : { فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا } وعلى ما قيل : يجاب أن الأوفى بالنظر إليه فإن جهنم ضررها أكثر بكثير مع نفع الآثام فهي في نفسها أوفى .

المسألة الثالثة : { ثم } لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي ثم نقول يجزاه فإن كان لتراخي الجزاء فكيف يؤخر الجزاء عن الصالح ، وقد ثبت أن الظاهر أن المراد منه الصالح ؟ نقول : الوجهان محتملان وجواب السؤال هو أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت لأن الله تعالى من أول زمان يموت الصالح يجزيه جزاء على خيره ويؤخر له الجزاء الأوفى ، وهي الجنة أو نقول الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى } وهي الجنة : { وزيادة } وهي الرؤية فكأنه تعالى قال ( وأن سعيه سوف يرى ) ثم يرزق الرؤية ، وهذا الوجه يليق بتفسير اللفظ فإن الأوفى مطلق غير مبين فلم يقل : أوفى من كذا ، فينبغي أن يكون أوفى من كل واف ولا يتصف به غير رؤية الله تعالى .

المسألة الرابعة : في بيان لطائف في الآيات ( الأولى ) قال في حق المسيء : { ألا تزر وازرة وزر أخرى } وهو لا يدل إلا على عدم الحمل عن الوازرة وهذا لا يلزم منه بقاء الوزر عليها من ضرورة اللفظ ، لجواز أن يسقط عنها ويمحو الله ذلك الوزر فلا يبقى عليها ولا يتحمل عنها غيرها ولو قال : لا تزر وازرة إلا وزر نفسها كان من ضرورة الاستثناء أنها تزر ، وقال في حق المحسن : ليس للإنسان إلا ما سعى ، ولم يقل : ليس له ما لم يسع لأن العبارة الثانية ليس فيها أن له ما سعى ، وفي العبارة الأولى أن له ما سعى ، نظرا إلى الاستثناء ، وقال : في حق المسيء بعبارة لا تقطع رجاءه ، وفي حق المحسن بعبارة تقطع خوفه ، كل ذلك إشارة إلى سبق الرحمة الغضب .