قوله : «ثُمَّ يُجْزَاهُ » يجوز في الضمير وجهان :
أظهرهما : أن الضمير المرفوع يعود على الإنسان{[53699]} والمنصوب يعود على «سَعْيهُ » والجزاء مصدر مبيِّن للنوع{[53700]} .
والثاني : قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير للجزاء ، ثم فسره بقوله : «الجَزَاءَ » ، أو أبدله منه كقوله : { وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ }{[53701]} [ الأنبياء : 3 ] .
قال أبو حيان : وإذا كان تفسيراً للضمير المنصوب في «يُجْزَاهُ » فعلى ماذا يَنْتَصِبُ{[53702]} ؟ وأما إذا كان بدلاً فهو من بدل الظاهر من المُضْمَر . وهو مسألة خلاف{[53703]} . والصحيح المنعُ .
قال شهاب الدين : العجب كيف يقول : فعلى ماذا ينتصب ؟ وانتصابه من وجهين :
أظهرهما : أن يكون عطف بيان وعطف البَيَان يصدق عليه أنه مفسِّر . وهي عبارة شائعة .
الثاني : أن ينتصب بإضمار «أعْني » وهي عبارة شائعة أيضاً يسمون مثل ذلك تفسيراً{[53704]} .
وقد منع أبو البقاء أن ينتصب «الجَزَاءَ الأَوْفَى » على المصدر فقال : «الجَزَاءَ الأَوْفَى » هو مفعول «يُجْزَاهُ »{[53705]} وليس بمصدر ؛ لأنه وصفه بالأَوْفَى وذلك من صفة المجزيّ به لا من صفة الفِعْلِ{[53706]} .
قال شهاب الدين : وهذا لا يبعد عن الغَلَط ؛ لأنه يلزم أن يتعدى «يُجْزَى » إلى ثلاثة مفاعيل ؛ لأن الأول قام مقام الفاعل{[53707]} والثاني «الهاء » التي هي ضمير السعي ، والثالث «الجزاء الأوفى » . وأيضاً فكيف ينتظم المعنى ؟ وقد يجاب عنه بأنّه أراد أنه بدل من الهاء ، كما تقدَّم عن الزمخشَريِّ .
ويصح أن يقال : هو مفعول «يُجْزَاه » فلا يتعدى لثلاثة حينئذ إلا أنه بعيدٌ عن غرضِهِ . ومثل هذا إلْغَازٌ .
وأما قوله : «وَالأَوْفَى ليس من صفات الفعل » ممنوعٌ ، بل هو من صفاته مجازاً ، كما يوصف المجزيّ به مجازاً فإن الحقيقة في كليها منتفيةٌ وإنما المتصف به حقيقة المجازى{[53708]} .
وقال ابن الخطيب : والجزاء يتعدى إلى مفعولين ، قال تعالى : { وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } [ الإنسان : 12 ] ويقال جزاك الله خيراً ، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف الجر ، فيقال : جَزَاهُ الخَيْرَ عَلَى عَمَله الجَنَّة{[53709]} ، وقد يحذف الجار ويوصل الفعل ، فيقال : جَزَاهُ الخَيْرَ عَمَلَه الجَنَّة{[53710]} .
والمُرَادُ بالجَزَاء الأوفى : الأكمل والأتمَّ أي يُجْزَى الإِنسانُ سَعْيَهُ ؛ يقال : جَزَيْتُ فلاناً سَعْيَهُ وبِسَعْيِهِ قال الشاعر :
إنْ أَجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ *** لَمْ أَجْزِهِ بِبَلاَءِ يَوْمٍ وَاحِدِ{[53711]}
فجمع بين اللغتين{[53712]} .
قال ابن الخطيب : والجزاء الأوفى يليق بالمؤمنين الصالحين ؛ لأن{[53713]} جزاء الصالح وافرٌ ، قال تعالى : { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } [ الإسراء : 63 ] وذلك أن جهنم ضررها أكثر من نفع الآثام ، فهي في نفسها أوفى . فإن قيل : «ثُمَّ » لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي ثم نقول يُجْزَاهُ ؟ فإن تكان لتراخي الجزاء فكيف يُؤَخَّر الجزاء عن الصالح وقد قلت{[53714]} : إن الظاهر أن المراد منه الصالحون ؟ ! .
نقول : الوجهان محتملان وجواب السؤال أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت ؛ لأن الله تعالى من أوّل زمان يتوبُ{[53715]} الصالح يجزيه خيراً ويؤخِّر له الجزاء الأوفى وهي الجنَّة .
أو نقول : الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى } وهي الجنة { وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] وهي الرؤية ، فكأنه تعالى قال : وأنَّ سعيه سوف يرى ثم يرزقُ الرؤيةَ . وهذا الوجه يليق بتفسير اللفظ ، فإن الأوفى مطلقٌ غير مبيّن ، فلم يقل : أوفى من كذا فينبغي أن يكون أوفى من كل وافٍ ولا يتصف به غير رؤية الله تعالى .
قال في حق المسيء : لاَ تزِرُ وَازِرَةٌ ( وِزْرَ أُخْرَى ) وهو لا يدل إلا على عدم الحمل عن{[53716]} الوَازرة ، ولا يلزم من ذلك بقاء الوِزر عليها من ضَرُورة اللفظ ؛ لجواز أن يسقط عنها ، ويمحو الله ذلك الوِزر ، فلا يبقى عليها ولا يحمل عنها غيرُها ، ولو قال : لا تَزِرُ ( وَازِرَةٌ ) {[53717]} إلا وزر نفسها لكان من ضرورة الاستثناء أنها تزر . وقال في حق المحسن : { لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى } ولم يقل : ليس له ما لم يَسْعَ ؛ لأن العبارة الثانية ليس فيها أن له ما سعى وفي العبارة الأولى أن له ما سعى نظراً إلى الاستثناء فقال في حق المسيء بعبارة لا تقطع رجاءَه ، وفي حق المحسن بعبارة تقطع خوفه ، وكل ذلك إشارةٌ إلى سَبْق الرحمةِ الغَضَبَ{[53718]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.