مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ أَنذَرَهُم بَطۡشَتَنَا فَتَمَارَوۡاْ بِٱلنُّذُرِ} (36)

ثم قال تعالى : { ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر } وفيه تبرئة لوط عليه السلام وبيان أنه أتى بما عليه فإنه تعالى لما رتب التعذيب على التكذيب وكان من الرحمة أن يؤخره ويقدم عليه الإنذارات البالغة بين ذلك فقال : أهلكناهم وكان قد أنذرهم من قبل ، وفي قوله : { بطشتنا } وجهان ( أحدهما ) : المراد البطشة التي وقعت وكان يخوفهم بها ، ويدل عليه قوله تعالى : { إنا أرسلنا عليهم حاصبا } فكأنه قال : إنا أرسلنا عليهم ما سبق ، ذكرها للإندار بها والتخويف ( وثانيهما ) : المراد بها ما في الآخرة كما في قوله تعالى : { يوم نبطش البطشة الكبرى } وذلك لأن الرسل كلهم كانوا ينذرون قومهم بعذاب الآخرة كما قال تعالى : { فأنذرتكم نارا تلظى } وقال : { وأنذرهم يوم الآزفة } وقال تعالى : { إنا أنذرناكم عذابا قريبا } إلى غير ذلك ، وعلى ذلك ففيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال : { إن بطش ربك لشديد } وقال هاهنا : { بطشتنا } ولم يقل : بطشنا وذلك لأن قوله تعالى : { إن بطش ربك لشديد } بيان لجنس بطشه ، فإذا كان جنسه شديدا فكيف الكبرى منه ، وأما لوط عليه السلام فذكر لهم البطشة الكبرى لئلا يكون مقصرا في التبليغ ، وقوله تعالى : { فتماروا بالنذر } يدل على أن النذر هي الإنذارات .