قوله تعالى : { ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل } .
اعلم أن هذا الكلام أيضا متعلق بقولهم للرسول عليه السلام إنما جمعت هذا القرآن من مدارسة الناس ومذاكرتهم ، فكأنه تعالى يقول له لا تلتفت إلى سفاهات هؤلاء الكفار ، ولا يثقلن عليك كفرهم ، فإني لو أردت إزالة الكفر عنهم لقدرت ، ولكني تركتهم مع كفرهم ، فلا ينبغي أن تشغل قلبك بكلماتهم .
واعلم أن أصحابنا تمسكوا بقوله تعالى : { ولو شاء الله ما أشركوا } والمعنى : ولو شاء الله أن لا يشركوا ما أشركوا ، وحيث لم يحصل الجزاء علمنا أنه لم يحصل الشرط ، فعلمنا أن مشيئة الله تعالى بعدم إشراكهم غير حاصلة . قالت المعتزلة : ثبت بالدليل أنه تعالى أراد من الكل الإيمان ، وما شاء من أحد الكفر والشرك ، وهذه الآية تقتضي أنه تعالى ما شاء من الكل الإيمان ، فوجب التوفيق بين الدليلين فيحمل مشيئة الله تعالى لإيمانهم على مشيئة الإيمان الاختياري الموجب للثواب والثناء ويحمل عدم مشيئته لإيمانهم على الإيمان الحاصل بالقهر والجبر وللإلجاء . يعني أنه تعالى ما شاء منهم أن يحملهم على الإيمان على سبيل القهر والإلجاء ، لأن ذلك يبطل التكليف ويخرج الإنسان عن استحقاق الثواب . هذا ما عول القوم عليه في هذا الباب ، وهو في غاية الضعف ويدل عليه وجوه : الأول : لا شك أنه تعالى هو الذي أقدر الكافر على الكفر فقدرة الكفر إن لم تصلح للإيمان فخالق تلك القدرة لا شك أنه كان مريدا للكفر ، وإن كانت صالحة للإيمان لم يترجح جانب الكفر على جانب الإيمان إلا عند حصول داع يدعوه إلى الإيمان ، وإلا لزم رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح وهو محال ، ومجموع القدرة مع الداعي إلى الكفر يوجب الكفر ، وإذا كان خالق القدرة والداعي هو الله تعالى ، وثبت أن مجموعهما يوجب الكفر . ثبت أنه تعالى قد أراد الكفر من الكافر . الثاني : في تقرير هذا الكلام أن نقول : إنه تعالى كان عالما بعدم الإيمان من الكافر ، ووجود الإيمان مع العلم بعدم الإيمان متضادان ومع وجود أحد الضدين كان حصول الضد الثاني محالا ، والمحال مع العلم بكونه محالا غير مراد ، فامتنع أن يقال إنه تعالى يريد الإيمان من الكافر . الثالث : هب أن الإيمان الاختياري أفضل وأنفع من الإيمان الحاصل بالجبر والقهر إلا أنه تعالى لما علم أن ذلك الأنفع لا يحصل البتة ، فقد كان يجب في حكمته ورحمته أن يحلق فيه الإيمان على سبيل الإلجاء ، لأن هذا الإيمان وإن كان لا يوجب الثواب العظيم ، فأقل ما فيه أن يخلصه من العقاب العظيم ، فترك إيجاد هذا الإيمان فيه على سبيل الإلجاء يوجب وقوعه في أشد العذاب ، وذلك لا يليق بالرحمة والإحسان ومثاله أن من كان له ولد عزيز وكان هذا الأب في غاية الشفقة وكان هذا الولد واقفا على طرف البحر فيقول الوالد له : غص في قعر هذا البحر لتستخرج اللآلي العظيمة الرفيعة العالية منه ، وعلم الوالد قطعا أنه إذا غاص في البحر هلك وغرق ، فهذا الأب إن كان ناظرا في حقه مشفقا عليه وجب عليه أن يمنعه من الغوص في قعر البحر ويقول له : اترك طلب تلك اللآلي فإنك لا تجدها وتهلك ، ولكن الأولى لك أن تكتفي بالرزق القليل مع السلامة ، فأما أن يأمره بالغوص في قعر البحر مع اليقين التام بأنه لا يستفيد منه إلا الهلاك فهذا يدل على عدم الرحمة وعلى السعي في الإهلاك فكذا ههنا والله أعلم .
واعلم أنه تعالى لما بين أنه لا قدرة لأحد على إزالة الكفر عنهم ختم الكلام بما يكمل معه تبصير الرسول عليه السلام ، وذلك أنه تعالى بين له قدر ما جعل إليه فذكر أنه تعالى ما جعله عليهم حفيظا ولا وكيلا على سبيل المنع لهم ، وإنما فوض إليه البلاغ بالأمر والنهي في العمل والعلم وفي البيان بذكر الدلائل والتنبيه عليها فإن انقادوا للقبول فنفعه عائد إليهم ، وإلا فضرره عائد عليهم وعلى التقديرين فلا يخرج صلى الله عليه وسلم من الرسالة والنبوة والتبليغ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.