مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ} (108)

وأما قوله : { ونزع يده } فالنزع في اللغة عبارة عن إخراج الشيء عن مكانه فقوله : { ونزع يده } أي أخرجها من جيبه أو من جناحه ، بدليل قوله تعالى : { وأدخل يدك في جيبك } وقوله : { واضمم يدك إلى جناحك } وقوله : { فإذا هي بيضاء للناظرين } قال ابن عباس : وكان لها نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض .

واعلم أنه لما كان البياض كالعيب بين الله تعالى في غير هذه الآية أنه كان من غير سوء .

فإن قيل : بم يتعلق قوله : { للناظرين } .

قلنا : يتعلق بقوله : { بيضاء } والمعنى : فإذا هي بيضاء للنظارة ، ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضها بياضا عجيبا خارجا عن العادة يجتمع الناس للنظر إليه كما تجتمع النظارة للعجائب . وبقي ههنا مباحث : فأولها : أن انقلاب العصا ثعبانا ، من كم وجه يدل على المعجز ؟ والثاني : أن هذا المعجز كان أعظم أم اليد البيضاء ؟ وقد استقصينا الكلام في هذين المطلوبين في سورة طه . والثالث : أن المعجز الواحد كان كافيا ، فالجمع بينهما كان عبثا .

وجوابه : أن كثرة الدلائل توجب القوة في اليقين وزوال الشك ، ومن الملحدين من قال : المراد بالثعبان وباليد البيضاء شيء واحد ، وهو أن حجة موسى عليه السلام كانت قوية ظاهرة قاهرة ، فتلك الحجة من حيث إنها أبطلت أقوال المخالفين ، وأظهرت فسادها ، كانت كالثعبان العظيم الذي يتلقف حجج المبطلين ، ومن حيث كانت ظاهرة في نفسها ، وصفت باليد البيضاء ، كما يقال في العرف : لفلان يد بيضاء في العلم الفلاني . أي قوة كاملة ، ومرتبة ظاهرة . واعلم أن حمل هذين المعجزين على هذا الوجه يجري مجرى دفع التواتر وتكذيب الله ورسوله . ولما بينا أن انقلاب العصا حية أمر ممكن في نفسه ، فأي حامل يحملنا على المصير إلى هذا التأويل ؟