ثم قال تعالى : { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } واحتج به القائلون بأن السحر محض التمويه . قال القاضي : لو كان السحر حقا ، لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم ؟ فثبت أن المراد أنهم تخيلوا أحوالا عجيبة مع أن الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوه . قال الواحدي : بل المراد سحروا أعين الناس ، أي قلبوها عن صحة إدراكها بسبب تلك التمويهات ، وقيل إنهم أتوا بالحبال والعصي ولطخوا تلك الحبال بالزئبق ، وجعلوا الزئبق في دواخل تلك العصي ، فلما أثر تسخين الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض وكانت كثيرة جدا ، فالناس تخيلوا أنها تتحرك وتلتوي باختيارها وقدرتها .
وأما قوله : { واسترهبوهم } فالمعنى : أن العوام خافوا من حركات تلك الحبال والعصي . قال المبرد : { استرهبوهم } أرهبوهم ، والسين زائدة . قال الزجاج : استدعوا رهبة الناس حتى رهبهم الناس ، وذلك بأن بعثوا جماعة ينادون عند إلقاء ذلك : أيها الناس احذروا ، فهذا هو الاسترهاب . وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه خيل إلى موسى عليه السلام أن حبالهم وعصيهم حيات مثل عصا موسى ، فأوحى الله عز وجل إليه { أن ألق عصاك } قال المحققون : إن هذا غير جائز ، لأنه عليه السلام لما كان نبيا من عند الله تعالى كان على ثقة ويقين من أن القوم لم يغالبوه ، وهو عالم بأن ما أتوا به على وجه المعارضة فهو من باب السحر والباطل ، ومع هذا الجزم فإنه يمتنع حصول الخوف .
فإن قيل : أليس أنه تعالى قال : { فأوجس في نفسه خيفة موسى } .
قلنا : ليس في الآية أن هذه الخيفة إنما حصلت لأجل هذا السبب ، بل لعله عليه السلام خاف من وقوع التأخير في ظهور حجة موسى عليه السلام على سحرهم .
ثم إنه تعالى قال في صفة سحرهم : { وجاؤا بسحر عظيم } روي أن السحرة قالوا قد علمنا سحرا لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمرا من السماء ، فإنه لا طاقة لنا به . وروي أنهم كانوا ثمانين ألفا . وقيل : سبعين ألفا . وقيل : بضعة وثلاثين ألفا . واختلفت الروايات ، فمن مقل ومن مكثر ، وليس في الآية ما يدل على المقدار والكيفية والعدد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.