روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{أَوَلَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِيمُ} (81)

وقوله تعالى : { أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض } الخ استئناف مسوق من جهته تعالى لتحقيق مضمون الجواب الذي أمر صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم به ويلزمهم الحجة ، والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أليس الذي أنشأها أول مرة وليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً وليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما { بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } في الصغر والحقارة بالنسبة إليهما على أن المراد بمثلهم هم وأمثالهم أو على أن المراد به هم أنفسهم بطريق الكناية كما في مثلك يفعل كذا ، وقال بعضهم : مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في هذا المقام ، وزعم جماعة من المفسرين عود ضمير { مّثْلُهُمْ } للسموات والأرض لشمولهما لمن فيهما من العقلاء فلذا كان ضمير العقلاء تغليباً والمقصود بالكلام دفع توهم قدم العالم المقتضى لعدم إمكان إعادته وهو تكلف ومخالف للظاهر والمشركون لا يقولون بقدم العالم فيما يظهر . وتعقب أيضاً بأن قدم العام لو فرض مع قدم النوع الإنساني وعدم تناهي أفراده في جانب المبدأ لا يأبى الحشر الجسماني إذ هو بالنسبة إلى المكلفين وهم متناهون . وزعم أن ما ثبت قدمه استحال عدم غير تام كما قرر في محله فلا تغفل ، وقرأ الجحدري . وابن أبي إسحاق . والأعرج . وسلام . ويعقوب في رواية { يُقَدّرُ } بفتح الياء وسكون القاف فعلاً مضارعاً .

{ بلى } جواب من جهته تعالى وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي من القدرة على الخلق وإيذان بتعيينه للجواب نطقوا به أو تلعثموا فيه مخافة الالتزام ، وقوله تعالى : { وَهُوَ الخلاق العليم } عطف على ما يفيده الإيجاب أي بلى هو سبحانه قادر على ذلك وهو جل وعلا المبالغ في الخلق والعلم كيفاً وكماً .

وقرأ الحسن . والجحدري . وزيد بن علي . ومالك بن دينار { الخالق } بزنة الفاعل .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَوَلَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِيمُ} (81)

قوله تعالى : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ( 81 ) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 82 ) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .

ذلك برهان من الله للمشركين والمرتابين والمنافقين الذين يكذبون بيوم القيامة ، وما فيها من بعث للموتى وتلاقيهم في الحشر للحساب . برهان ظاهر ومعقول تعيه القلوب والفِطَر وتستيقنه الأذهان والمدارك . برهان ساطع وميسور لا لبس فيه ولا تعسير { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } ومعلوم لكل ذي عقل أن السماوات والأرض شيء عظيم . بل إنهما في غاية السعة والضخامة وذلك بما فيهما وما بينهما من خلائق وكائنات وأشياء لا تحصى عددا . وكذلك ما يشدهما ويجمعهما ويؤلف بينهما من نظام كوني مذهل ونواميس أساسية مركوزة لا تتخلف . كل أولئك يدل على عظمة السماوات والأرض وأن خلقهما يفوق تصور البشر . أفليس الذي خلق ذلك بقادر على خلق الإنسان من جديد ، وإعادته كرة ثانية بعد الموت . بل إن خلْقَ الإنسان مرة أخرى وإحياؤه من الرميم والرفات يوم المعاد لهو أهون وأصغر من خلْق هذا الكون الهائل الشامل المديد .

قوله : { بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ } ذلك جواب من الله يدفع فيه تخريص الكافرين المكذبين بيوم الدين ، ويؤكد فيه قدرته على الإعادة في يوم المعاد . فهو سبحانه { الْخَلاَّقُ } صيغة مبالغة لكثرة مخلوقاته { الْعَلِيمُ } عليم بكل شيء وعليم بخلق الكائنات وخلْق الإنسان ولا يفوت علمه من ذلك شيء .