روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ هُوَ صَالِ ٱلۡجَحِيمِ} (163)

و { أَنتُمْ } خطاب للكفرة ومعبوديهم على سبيل التغليب نحو أنت وزيد تخرجان أي ما أنتم ومعبودوكم مفسدين أحداً على الله عز وجل بإغوائكم إلا من سبق في علم الله تعالى أنه من أهل النار يصلاها ويدخلها لا محالة .

وجوز كون الواو هنا مثلها في قولهم كل رجل وضيعته فجملة { مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } الخ مستقلة ليست خبراً لإن وضمير { عَلَيْهِ } لما بتقدير مضاف وهو متعلق بفاتنين أيضاً بتضمينه معنى البعث أو الحمل ولا تغليب في الخطاب كأنه قيل : إنكم وآلهتكم قرناء لا تبرحون تعبدونها ثم قيل ما أنتم على عبادة ما تعبدون بباعثين أو حاملين على طريق الفتنة والإضلال أحداً إلا من سبق في علمه تعالى أنه من أهل النار ، وظاهر صنيع بعضهم أن أمر التغليب في { أَنتُمْ } على هذا على حاله ، وأنت تعلم أن الظاهر الاتصال ، وجوز أن يراد معنى المعية وخبر إن جملة { مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } الخ ويكون الكلام على أسلوب قول الوليد بن عقبة بن أبي معيط عامله الله تعالى بما هو أهلة يحض معاوية على حرب الأمير علي كرم الله تعالى وجهه

: فإنك والكتاب إلى علي *** كدابغة وقد حلم الأديم

قال في «الكشف » : ومعنى الآية أي عليه أنكم يا كفرة مع معبوديكم لا يتسهل لكم إلا أن تفتنوا من هو ضال مثلكم ، وهو بيان لخلاصة المعنى ، واستظهر أبو حيان العطف وكون الضمير للعبادة وتضمين فاتنين معنى الحمل وتغليب المخاطب على الغائب في { أَنتُمْ } وكون الجملة المنفية خبر إن . وحكي عن بعضهم القول بأن على بمعنى الباء والضمير المجرور به لما تعبدون فتأمل .

وقرأ الحسن . وابن أبي عبلة { صَالُو * الجحيم } بالواو على ما في كتاب الكامل للهذلي ، وفي كتاب ابن خالويه عنهما { صَالِ } بالضم ولا واو . وفي «اللوامح » و «الكشاف » عن الحسن { صَالُو * الجحيم } بضم اللام فعلى إثبات الواو هو جمع سلامة سقطت النون للإضافة ، وفي الكلام مراعاة لفظ من أولاً ومعناها ثانياً كما هو قوله تعالى :

{ وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ ءامَنَّا بالله وباليوم الأخر وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [ البقرة : 8 ] وعلى عدم إثباتها فيه ثلاثة أوجه ، الأول : أن يكون جمعاً حذفت النون منه للإضافة ثم واو الجمع لالتقاء الساكنين وأتبع الخط اللفظ .

الثاني : أن يكون مفرداً حذفت لامه وهي الياء تخفيفاً وجعلت كالمنسي وجرى الإعراب على عينه كما جرى على عين يد ودم وعلى ذلك قوله تعالى : { وَجَنَى الجنتين دَانٍ } [ الرحمن : 54 ] وقوله سبحانه : { وَلَهُ الجوار المنشآت } [ الرحمن : 24 ] بضم نون { الجنتين دَانٍ } وراء { الجوار } وقولهم ما باليت به بالة فإن أصل بالة بالية بوزن عافية حذفت لامه فأجري الإعراب على عينه ولما لحقته الهاء انتقل إليها ، الثالث : أن يكون مفرداً أيضاً ويكون أصله صائل على القلب المكاني بتقديم اللام على العين ثم حذفت اللام المقدمة وهي الياء فبقي صال بوزن فاع وصار معرباً كباب ونظيره شاك الجاري إعرابه على الكاف في لغة

[ بم وقوله تعالى :

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ هُوَ صَالِ ٱلۡجَحِيمِ} (163)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

إلا من قدر الله عز وجل أنه يصلى الجحيم، وسبقت له الشقاوة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 162]

يقول تعالى ذكره:"فإنّكُمْ" أيها المشركون بالله "وَما تَعْبُدُونَ "من الآلهة والأوثان "ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ" يقول: ما أنتم على ما تعبدون من دون الله "بفاتنين": أي بمضِلّينَ أحدا "إلاّ مَنْ هُوَ صالِ الجَحِيمِ" يقول: إلا أحدا سبق في علمي أنه صال الجحيم.

وقد قيل: إن معنى "عَلَيْهِ" في قوله: {ما أنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ} بمعنى به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

إلا من كتب عليه في اللوح أنه يصلى الجحيم، وقال بعضهم: إلا من قضى الله عليه أن يصلى النار.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

علم أنكم لا تقدرون أن تغيروا عليه إلا من غيره هو؛ فبحكمه ضل لا بكم، نعوذ بك منك، لا مهرب منك إلا إليك، والمراد بتقديم الجار أن غيره قد يقدر على أن يفسد عليه من لا يريد فساده ويعجز عن رد المفسد، فالتعبير بأداة الاستعلاء تهكم بهم؛ بمعنى أنه ليس في أيديكم من الإضلال إلا هذا الذي جعله لكم من التسبب، فإن كان عندكم غلبة فسموه بها.

توحيد الضمير على لفظ "من"، في الموضعين للإشارة إلى أن الميت على الشرك بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم من العرب قليل.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 161]

ثم يتوجه الخطاب إلى المشركين وما يعبدون من آلهة مزعومة، وما هم عليه من عقائد منحرفة. يتوجه الخطاب إليهم، من الملائكة كما يبدو من التعبير:

(فإنكم وما تعبدون، ما أنتم عليه بفاتنين، إلا من هو صال الجحيم. وما منا إلا له مقام معلوم. وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون).

أي إنكم وما تعبدون لا تفتنون على الله ولا تضلون من عباده إلا من هو محسوب من أهل الجحيم، الذين قدر عليهم أن يصلوها. وما أنتم بقادرين على فتنة قلب مؤمن الفطرة محسوب من الطائعين. فللجحيم وقود من نوع معروف، طبيعته تؤهله أن يستجيب للفتنة؛ ويستمع للفاتنين.