اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّا مَنۡ هُوَ صَالِ ٱلۡجَحِيمِ} (163)

«إلاَّ مَنْ هُوَ ضَالّ » مثلكم ، قاله الزمخشري ، إلا أن أبا البقاء ضعف الثاني وتابعه أبو حيان في تضعيفه لعدم تبارده إلى الفهم ، قال شهاب الدين : الظاهر أنه معطوف واستئناف «ما أنتم عليه فاتنين » غير واضح والحق أحق أن يتبع . وجوز الزمخشري أن يعود الضمير في «عليه » على الله . قال : فإن قلت : كيف يفتنونهم على الله ؟ .

قلت : يفسدونهم عليه بإغوائهِمْ من قولك : فَتَنَ فلانٌ على امرأته كما تقول : أَفْسَدَها عليه وخيبها عليه ، و «مَنْ هُوَ » يجوز أن تكون موصولةً أو موصوفةً . وقرأ العامة صَالِ الجَحِيم بكسر اللام لأنه منقوص مضاف حذفت لامه لالتقاء الساكنين وحمل على لفظ «مَنْ » فأُفْرِدَ «هو » .

وقرأ الحسن وابنُ أبي عبلة بضم اللام مع واو بعدها فيما نقله الهُذَلِيّ عنهما ، و ( ابن عطية ) عن الحسن ( وقرأ بضمها مع عدم واو ( بعدها )فيما نقل ابن خالويه عنهما ) وعن الحسن فقط فيما نقله الزمخشري ، وأبو الفضل . فأما مع الواو فإنه جمع سلامة بالواو والنون ويكون قد حُمِلَ على لفظ «من » أولاً فأفرد في قوله : «هُوَ » وعلى معناها ثانياً فجمع في قوله : «صَالُو » وحذفت النون للإضافة ومما حمل فيه على اللفظ والمعنى في جملة واحدة وهي صلة الموصول قوله تعالى : { إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى } [ البقرة : 111 ] فأفرد في «كَانَ » وجمع في «هُوداً » . ومثله قوله :

وَأَيْقَظَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ نِيَاماً . . .

وأما مع عدم الواو فيحتمل أن يكون جمعاً ( أيضاً ) وإنما حذفت الواو خطًّا كما حذفت لفظاً ، وكثيراً ما يفعلون هذا يُسْقِطُونَ في الخطِّ ما يَسْقُطُ في اللفظ ، ومنه : { يَقُضُّ الحق }[ الأنعام : 57 ] في قراءة من قرأ بالضاد المعجمة ورسم بغير ياء ، وكذلك : { واخشون اليوم } [ المائدة : 3 ] . ويحتمل أن يكون مفرداً وحقه على هذا كسر اللام فقط لأنه عين منقوص وعين المنقوص مكسورة أبداً وحذفت اللام - وهي الياء لالتقاء الساكنين نحو : هَذَا قَاضِ الْبَلَدِ ، وقد ذكروا فيه توجيهين :

أحدهما : أنه مقلوب إذ الأصل صَالِي ثم صائل قدّموا اللام إلى موضع العين ، فوقع الإعراب على العَيْنِ ثم حذفت لام الكملة بعد القلب فصار اللفظ كما ترى ووزنه على هذا فَاعٍ ، فيقال على هذا : جَاءَ صَالٌ ورَأَيْتُ صالاً ، ومَرَرْتُ بِصَالٍ فيصير في اللفظ كقولك : هَذَا بابٌ ورأيتُ باباً ، ومررت ببابٍ ، ونظيره في مجرد القلب ، شاكٍ ولاثٍ في شَائِكٍ ولائثٍ ، ولكن شائك ولائث قبل القلب صحيحان فصارا به معتلين منقوصين بخلاف صَالِي فإنه قبل القلب كان معتلاً منقوصاً فصار به صحيحاً .

والثاني : أن اللام حذفت استثقالاً من غير قلب ، وهذا عندي أسهل مما قبله وقدر رأيناهم يَتَنَاسَوْنَ اللام المحذوفة ويجعلون الإعراب على العين ، وقد قرئ : { وَلَهُ الجوار } [ الرحمن : 24 ] برفع الراء . «وَجَنى الْجَنَّتَيْنِ دَانٌ »برفع النون تشبيهاً بجَناحٍ وجَانٍّ ، وقالوا : ما بَالَيْتُ بِهِ بَالَةً ، والأصل بَالِيَةً ، كعافيةٍ . وقد تقدم طَرَفٌ من هذا عند قوله : { وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [ الأعراف : 41 ] فيمن قرأه برفع الشين .

فصل

قال المفسرون : المعنى «فإنكم » تقولون لأهل مكة «وما تعبدون » من الأصنام «ما أنتم عليه » ما تعبدون «بفاتنين » بمُضِلِّينَ أحداً إلا من هو صال الجحيم أي من قدَّر الله أنه سيدخل النار ، ومن سبق له في علم الله الشقاوة ، واعلم أنه لما ذكر الدلائل على فساد مذاهب الكفار أتبعه بما ينبه على أن هؤلاء الكفار لا يقدِرون على إضلال أحد إلا إذا كان قد سبق حكم الله في حقه بالعذاب والوقوع في النار . وقد احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا تأثير لإيحاء الشيطان ووسوسته وإنما المؤثر قضاءُ الله وقدَرُهُ .