ثم استثنى منه ما في قوله تعالى : { إلا من هو صال الجحيم } فوجب أن يكون المراد من وقوع الفتنة هو كونه محكوما عليه بأنه صال الجحيم ، وذلك تصريح بأن حكم الله بالسعادة والشقاوة هو الذي يؤثر في حصول الشقاوة والسعادة . واعلم أن أصحابنا قرروا هذه الحجة بالحديث المشهور وهو أنه حج آدم موسى ، قال القاضي هذا الحديث لم يقبله علماء التوحيد ، لأنه يوجب أن لا يلام أحد على شيء من الذنوب ، لأنه إن كان آدم لا يجوز لموسى أن يلومه على عمل كتبه الله عليه قبل أن يخلقه ، فكذلك كل مذنب . فإن صحت هذه الحجة لآدم عليه السلام ، فلماذا قال موسى عليه السلام في الوكزة هذا من عمل الشيطان ، إنه عدو مضل مبين ؟ ولما قال فلن أكون ظهيرا للمجرمين ؟ ولماذا لام فرعون وجنوده على أمر كتبه الله عليهم ؟ ومن عجيب أمرهم أنهم يكفرون القدرية ، وهذا الحديث يوجب أن آدم كان قدريا ، فلزمهم أن يكفروه ، وكيف يجوز مع قول آدم وحواء عليهما السلام :
{ ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لكنتم من الخاسرين } [ الأعراف : 23 ] أن يحتج على موسى بأنه لا لوم عليه ، وقد كتب عليه ذلك قبل أن يخلقه ، هذا جملة كلام القاضي فيقال له هب أنك لا تقبل ذلك الخبر ، فهل ترد هذه الآية أم لا ، فإنا بينا أن صريح هذه الآية يدل على أنه لا تأثير للوساوس في هذا الباب ، فإن الكل يحصل بحكمة الله تعالى ، والذي يدل عليه وجوه الأول : أن الكافر إن ضل بسبب وسوسة الشيطان فضلال الشيطان إن كان بسبب شيطان آخر لزم تسلسل الشياطين وهو محال ، وإن انتهى إلى ضلال لم يحصل بسبب وسوسة متقدمة فهو المطلوب الثاني : أن كل أحد يريد أن يحصل لنفسه الاعتقاد الحق والدين الصدق ، فحصول ضده يدل على أن ذلك ليس منه الثالث : أن الأفعال موقوفة على الدواعي وحصول الدواعي بخلق الله ، فيكون الكل من الله تعالى الرابع : أنه تعالى لما اقتضت حكمته شيئا ، وعلم وقوعه ، فلو لم يقع ذلك الشيء لزم انقلاب ذلك الحكم كذبا وانقلاب ذلك العلم جهلا وهو محال ، وأما الآيات التي تمسك بها القاضي فهي معارضة بالآيات الدالة على أن الكل من الله والقرآن كالبحر المملوء من هذه الآيات فتبقى الدلائل العقلية التي ذكرناها سليمة ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.