روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

{ وَلَكُمْ فيِهَا منافع } أي غير الركوب والأكل كالألبان والأوبار والجلود ويقال : إنه في معنى ولتنتفعوا بمنافع فيها أو نحو ذلك { وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ } أي أمراً ذا بال تهتمون به وذلك كحمل الأثقال من بلد إلى بلد ، وهذا عطف على { لتركبوا منها } [ غافر : 79 ] جاء على نمطه ، وكان الظاهر المزاوجة بين الفوائد المحصلة من الأنعام بأن يؤتى باللام في الجميع أو تترك فيه لكن عدل إلى ما في «النظم الجليل » لنكتة .

/ قال صاحب الكشف : إن الأنعام ههنا لما أريد بها الإبل خاصة جعل الركوب وبلوغ الحاجة من أتم الغرض منها لأن جل منافعها الركوب والحمل عليها ، وأما الأكل منها والانتفاع بأوبارها وألبانها بالنسبة إلى ذينك الأمرين فنزر قليل ، فأدخل اللام عليهما وجعلا مكتنفين لما بينهما تنبيهاً على أنه أيضاً مما يصلح للتعليل ولكن قاصراً عنهما ، وأما الاختصاص المستفاد من قوله تعالى : { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } فلأنها من بين ما يقصد للركوب ويعد للأكل فلا ينتقض بالخيل على مذهب من أباح لحمها ولا بالبقر ، وقال صاحب الفرائد : إنما قيل { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فيِهَا منافع } ولم يقل : لتأكلوا منها ولتصلوا إلى المنافع لأنهم في الحال آكلون وآخذون المنافع وأما الركوب وبلوغ الحاجة فأمران منتظران فجىء فيهما بما يدل على الاستقبال . وتعقب بأن الكل مستقبل بالنسبة إلى زمن الخلق .

وقال القاضي : تغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة ، وقيل في توجيهه : يعني أن مدخول الغرض لا يلزم أن يترتب على الفعل ، فالتغيير إلى صورة الجملة الحالية مع الإتيان بصيغة الاستمرار للتنبيه على امتيازه عن الركوب في كونه من ضروريات الإنسان . ويطرد هذا الوجه في قوله تعالى : { وَلَكُمْ فيِهَا منافع } لأن المراد منفعة الشرب واللبس وهذا مما يلحق بالضروريات وهو لا يضر نعم فيه دغدغة لا تخفى . وقال الزمخشري : إن الركوب وبلوغ الحاجة يصح أن يكونا غرض الحكيم جل شأنه لما فيهما من المنافع الدينية كإقامة دين وطلب علم واجب أو مندوب فلذا جىء فيهما باللام بخلاف الأكل وإصابة المنافع فإنهما من جنس المباحات التي لا تكون غرض الحكيم . وهو مبني على مذهبه من الربط بين الأمر والإرادة ولا يصح أيضاً لأن المباحات التي هي نعمة تصح أن تكون غرض الحكيم جل جلاله عندهم ، ويا ليت شعري ماذا يقول في قوله تعالى : { هُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ الليل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [ يونس : 67 ] نعم لو ذكر أنه لاشتماله على الغرض الديني كان أنسب بدخول اللام لكان وجهاً إن تم .

وقيل : تغيير النظم الجليل في الأكل لمراعاة الفواصل كما أن تقديم الجار والمجرور لذلك . وأما قوله تعالى : { وَلَكُمْ فيِهَا منافع } فكالتابع للأكل فأجرى مجراه وهو كما ترى ، وقوله تعالى : { وَعَلَيْهَا } توطئة لقوله سبحانه : { وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ } ليجمع بين سفائن البر وسفائن البحر فكأنه قيل : وعليها في البر وعلى الفلك في البحر تحملون فلا تكرار .

وفي إرشاد العقل السليم لعل المراد بهذا الحمل حمل النساء والولدان عليها بالهودج وهو السر في فصله عن الركوب ، وتقديم الجار قيل : لمراعاة الفواصل كتقديمه قبل .

وقيل التقديم هنا وفيما تقدم للاهتمام ؛ وقيل : { عَلَى الفلك } دون في الفلك كما في قوله تعالى : { احمل فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثنين } [ هود : 40 ] لأن معنى الظرفية والاستعلاء موجود فيها فيصح كل من العبارتين ، والمرجح لعلى هنا المشاكلة .

وذهب غير واحد إلى أن المراد بالأنعام الأزواج الثمانية فمعنى الركوب والأكل منها تعلقهما بالكل لكن لا على أن كلاً منهما مختص ببعض معين منها بحيث لا يجوز تعلقه بما تعلق به الآخر بل على أن بعضها يتعلق به الأكل فقط كالغنم وبعضها يتعلق به كلاهما كالإبل ومنهم من عد البقر أيضاً وركوبه معتاد عند بعض أهل الأخبية ، وأدرج بعضهم الخيل والبغال وسائر ما ينتفع به من البهائم في الأنعام وهو ضعيف .

ورجح القول بأن المراد الأزواج الثمانية على القول المحكي عن الزجاج من أن المراد الإبل خاصة بأن المقام مقام امتنان وهو مقتض للتعميم ، والظاهر ذاك ، وكون المقام مقام امتنان غير مسلم بل هو مقام استدلال كقوله تعالى : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ } [ الغاشية : 17 ] كما يشعر به السياق ، ولا يأباه ذكر المنافع فإنه استطرادي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

{ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ } من الوصول إلى الأوطان البعيدة ، وحصول السرور بها ، والفرح عند أهلها . { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } أي : على الرواحل البرية ، والفلك البحرية ، يحملكم الله الذي سخرها ، وهيأ لها ما هيأ ، من الأسباب ، التي لا تتم إلا بها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

قوله تعالى : { ولكم فيها منافع } في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها . { ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم } تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد ولتبلغوا عليها حاجاتكم ، { وعليها وعلى الفلك تحملون } أي : على الإبل في البر وعلى السفن في البحر . نظيره : قوله تعالى : { وحملناهم في البر والبحر } ( الإسراء-70 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولكم فيها منافع} في ظهورها وألبانها وأصوافها وأوبارها وأشعارها.

{ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم} يعني في قلوبكم.

{وعليها} يعني الإبل والبقر {وعلى الفلك} يعني السفن {تحملون}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةَ في صُدُورِكُمْ" يقول: ولتبلغوا بالحمولة على بعضها، وذلك الإبل حاجة في صدروكم لم تكونوا بالغيها لولا هي، إلا بشقّ أنفسكم، كما قال جلّ ثناؤه: "وَتحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ"...

وقوله: "وَعَلَيْها "يعني: وعلى هذه الإبل، وما جانسها من الأنعام المركوبة "وَعَلى الفُلْكِ" يعني: وعلى السفن "تُحْمَلُونَ" يقول: نحملكم على هذه في البرّ، وعلى هذه في البحر. "ويُرِيكُمْ آياتِهِ" يقول: ويريكم حججه، "فأيّ آياتِ اللّهِ تُنْكَرونَ" يقول: فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس. في السماء والأرض تنكرون صحتها، فتكذّبون من أجل فسادها بتوحيد الله، وتدعون من دونه إلها.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم ذكر تعالى المنافع ذكراً مجملاً؛ لأنها أكثر من أن تحصى.

{وعلى الفلك تحملون} وكرر الحمل عليها وقد تقدم ذكر ركوبها؛ لأن المعنى مختلف وفي الأمرين تغاير، وذلك أن الركوب هو المتعارف فيما قرب واستعمل في القرى والمواطن، نظير الأكل منها وسائر المنافع بها، ثم خصص بعد ذلك السفر الأطوال وحوائج الصدور مع البعد والنوى، وهذا هو الحمل الذي قرنه بشبيهه من أمر السفن...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولتبلغوا} أي مستعلين {عليها} وهي في غاية الذل والطواعية، ونبههم على نقصهم وعظيم نعمته عليهم بقوله: {حاجة} أي جنس الحاجة.

ولما كان في مقام التعظيم لنعمه لأن من سياق الامتنان وإظهار القدرة وحدها وجمع ما تضمر فيه فقال: {في صدوركم} إشارة إلى أن حاجة واحدة ضاقت عنها قلوب الجميع حتى فاضت منها فملأت مساكنها.

ولما كان الحمل يكون مع مطلق الاستعلاء سواء كان على أعلى الشيء أولاً بخلاف الركوب، قال معبراً بأداة الاستعلاء فيها وفي الفلك غير سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، فإنها كانت مغطاة كما حكي فكانوا في بطنها لا على ظهرها: {وعليها} أي في البر {وعلى الفلك} أي في البحر.

{تحملون} أي تحمل لكم أمتعتكم فإن حمل الإنسان نفسه تقدم بالركوب. وأشار بالبناء للمفعول إلى أنه سخر ذلك تسخيراً عظيماً لا يحتاج معه إلى علاج في نفس الحمل.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه كتلك آية من آيات الله. ونعمة من نعمه على الإنسان. وسير الفلك على الماء قائم على نواميس وموافقات في تصميم هذا الكون: سمائه وأرضه. يابسه ومائه. وفي طبيعة أشيائه وعناصره. لا بد أن توجد حتى يمكن أن يسير الفلك على الماء. سواء سار بالشراع أم بالبخار أم بالذرة، أم بغيرها من القوى التي أودعها الله هذا الكون، ويسر استخدامها للإنسان.. ومن ثم تذكر في معرض آيات الله، وفي معرض نعمه على السواء.