اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَلِتَبۡلُغُواْ عَلَيۡهَا حَاجَةٗ فِي صُدُورِكُمۡ وَعَلَيۡهَا وَعَلَى ٱلۡفُلۡكِ تُحۡمَلُونَ} (80)

قوله تعالى : { الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام . . . } الآية . لما ذكر الوعيدَ عاد إلى ذِكر ما يدل على وجود الإِلَهِ القَادِرِ الحَكِيمِ ، وإلى ذكر ما يصلح أن يعد إنعاماً على العباد .

قال الزجاج : «الأَنْعَامُ الإِبل{[48456]} ( خاصة ) » ، وقال القاضي : هي الأزواج الثمانية{[48457]} . وقوله : «مِنْهَا . . . . وَمِنْهَا » .

«من » الأولى يجوز أن تكونَ لِلتَّبْعِيض{[48458]} ، إذ ليس كُلُّها تُرْكَبُ ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية إذ المرادُ بالأنعام شيءٌ خاصٌّ هي الإبل ، قال الزجاج : «لأنه لم يُعْهد المركوبُ غيرها »{[48459]} .

وأما الثانية فكالأولى . وقال ابن عطية : هي لبيان الجنس قال : لأن الخيل منها ولا تُؤْكَلُ{[48460]} .

فإن قيل : ما السَّبَبُ في إدخال لام العِوَض على قوله : «لِتَرْكَبُوا » وعلى قوله : «لِتَبْلُغُوا » ولم يدخل على البَوَاقِي ؟ .

فالجواب : قال الزمخشري : الركوب في الحج والغزو إما أن يكون واجباً أو مندوباً ، وأيضاً ركوبها لأجل حاجتهم ، وهي الانتقال من بلدٍ إلى بلد آخر لطلب علم أو إقامة دين يكون إما واجباً أو مندوباً فهذان القسمان أغراض دينيةٍ ، فلا جَرَمَ أدخل عليها حرف التعليل نظيره قوله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] فأدخل حرف التعليل على «الرُّكُوبِ » ولم يدخله على الزِّينَةِ{[48461]} .

قوله { لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا } أي بعضها { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أي في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها { وَلِتَبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ } لحمل أثقالكم من بلد إلى بلد . قوله : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ } أي على الإبل في البرِّ ، وعلى السفن في البَحْرِ .

فإن قيل : لِمَ لَمْ يقل : في الفلك ، كما قال : { قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين } [ هود : 40 ] ؟ .

فالجواب : كلمة على للاستِعْلاَء ، فالشيء يُوضَع على الفلك كما صح أن يقال : وضع فيه صح أن يقال : وضع عليه ولما صح الوجهان كانت لفظةُ » عَلَى «أولى حتى يتم المزاوجة في قوله : { وعليها وعلى الفلك تحملون }{[48462]} .

وقال بعضهم{[48463]} : إن لفظة «فِي » هناك ألْيَقُ ؛ لأن سفينة نُوحٍ على ما قيل كانت مُطْبِقَةً عليهم وهي محيطة بهم كالوعاء ، وأما غيرها فالاستعلاء فيه واضح ، لان الناس على ظهرها .


[48456]:معاني القرآن وإعرابه له 4/378.
[48457]:الرازي 27/89.
[48458]:ذكره أبو حيان في البحر المحيط 7/478.
[48459]:لم أجد في معاني القرآن له هذا، بل نقله عنه القرطبي في الجامع 15/3335 وأبو حيان في البحر 7/478.
[48460]:البحر المحيط المرجع السابق وفيه أيضا "لأن الجمل منها يؤكل".
[48461]:المعنى من الكشاف لجار الله الزمخشري 3/438، 439، وباللفظ من تفسير الإمام الرازي 27/89 والآية 8 من النحل.
[48462]:الزمخشري في الكشاف المرجع السابق والرازي السابق أيضا. والآية 40 من هود.
[48463]:هو السمين في الدر المصون 4/712 قال: "ويظهر أن في هناك أليق...الخ".