روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (22)

{ ما لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى } تلطف في إرشاد قومه بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كما ينبئ عنه قوله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وصريحاً ولو قال : وإليه أرجع كان فيه تهديد بطريق التعريض ، وعد التعبير بإليه ترجعون بعد التعبير بما لي لا أعبد من باب الالتفات لمكان التعريض بالمخاطبين في { مَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ } الخ فيكون المعبر عنه في الأسلوبين واحداً بناءً على ما ذهب إليه الخطب . والسعد التفتازاني من أن التعريض إما مجاز أو كناية وهو ههنا مجاز لامتناع إرادة الموضوع له فيكون اللفظ مستعملاً في غير ما وضع له فيتحد المعبر عنه ، وحقق السيد السند أن المعنى التعريضي من مستتبعات الترتيب واللفظ ليس بمستعمل فيه بل هو بالنسبة إلى المستعمل فيه إما حقيقة أو مجاز أو كناية وعليه فمضير المتكلم في { مَا لِيَ } الخ ليس مستعملاً في المخاطبين فلا يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحداً فلا التفات ، وجوز بعضهم كون الآية من الاحتباك والأصل { لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى } وإليه أرجع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون فحذف من الأول نظير ما ذكر في الثاني وبالعكس وهو مفوت لما سمعت ، وظاهر كلام الواحدي أنه لا تعريض في الآية حيث قال : لما قال الرجل { يا قوم اتبعوا المرسلين } [ يس : 20 ] الخ رفعوه إلى الملك فقال له الملك : أفأنت تتبعهم ؟ فقال : { مَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى } أي أي شيء لي إذا لم أعبد خالقي { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } تردون عند البعث فيجزيكم بكفركم ، ورد عليه بأنه إذا رجع الإنكار إليه دون القوم لم يكن لخطابهم بترجعون معنى وكان الظاهر أرجع . وأجيب بأنه يمكن أن يقال : إن الرجل كان في غيظ شديد من تكذيبهم الرسل وتوعدهم إياهم فانتهز الفرصة للانتقام فلما تمكن من تهديدهم أوقع قوله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } في البين أي مالي لا أعبد الذي من على بنعمة الإيجاد ونعمة الانتقام منكم والتشفي من غيظكم إذ ترجعون إليه فيجزيكم بكفركم وتكذيبكم الرسل وعنادكم ، وأنت تعلم أن النظم الجليل لا يساعد على هذا وهو ظاهر فيما تقدم ، وقد عاد إلى المساق الأول من التلطف بالإرشاد فقال :

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (22)

فكأن قومه لم يقبلوا نصحه ، بل عادوا لائمين له على اتباع الرسل ، وإخلاص الدين للّه وحده ، فقال : { وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : وما المانع لي من عبادة من هو المستحق للعبادة ، لأنه الذي فطرني ، وخلقني ، ورزقني ، وإليه مآل جميع الخلق ، فيجازيهم بأعمالهم ، فالذي بيده الخلق والرزق ، والحكم بين العباد ، في الدنيا والآخرة ، هو الذي يستحق أن يعبد ، ويثنى عليه ويمجد ، دون من لا يملك نفعا ولا ضرا ، ولا عطاء ولا منعا ، ولا حياة ولا موتا ولا نشورا ، ولهذا قال :

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (22)

قوله تعالى : { اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } قال قتادة : كان حبيب في غار يعبد الله ، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم فأظهر دينه ، فلما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم : تسألون على هذا أجراً ؟ قالوا : لا ، فأقبل على قومه فقال : ( ( يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون ) ) ، فلما قال ذلك قالوا له : وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم ؟ فقال : { ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } قرأ حمزة و يعقوب : ( ( مالي ) ) بإسكان الياء ، والآخرون بفتحها . قيل : أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم ، لأن الفطرة أثر النعمة ، وكانت عليه أظهر ، وفي الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق . وقيل : إنهم لما قال : اتبعوا المرسلين ، أخذوه فرفعوه إلى الملك ، فقال له الملك : أفأنت تتبعهم ؟ فقال : ( ( ومالي لا أعبد الذي فطرني ) ) ، يعني وأي شيء لي إذا لم أعبد الخالق { وإليه ترجعون } تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم .