روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

{ الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً } أي مستقراً { والسماء } أي قبة ومنه أبنية العرب لقبابهم التي تضرب وإطلاق ذلك على السماء على سبيل التشبيه ، وهو تشبيه بليغ وفيه إشارة لكريتها . وهذا بيانل فضله تعالى المتعلق بالمكان بعد بيان فضله المتعلق بالزمان ، وقوله سبحانه : { بالحق وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } بيان لفضله تعالى المتعلق بأنفسهم ، والفاء في { فَأَحْسَنَ } تفسيرية فالمراد صوركم أحسن تصوير حيث خلق كلاً منكم منتصب القامة بادي البشرة متناسب الأعضاء والتخطيطات متهيأ لمزاولة الصنائع واكتساب الكمالات . وقرأ الأعمش . وأبو رزين { صُوَرَكُمْ } بكسر الصاد فراراً من الضمة قبل الواو ، وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسرها شاذ ومنه قوة وقوى بكسر القاف في الجمع . وقرأ فرقة { صُوَرَكُمْ } بضم الصاد وإسكان الواو على نحو بسرة وبسر { وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات } أي المستلذات طعماً ولباساً وغيرهما وقيل الحلال { ذلكم } الذي نعت بما ذكر من النعوت الجليلة { الله رَبُّكُمُ } خبران لذلكم { فَتَبَارَكَ الله } تعالى بذاته { رَبّ العالمين } أي مالكهم ومربيهم والكل تحت ملكوته مفتقر إليه تعالى في ذاته ووجوده وسائر أحواله جميعها بحيث لو انقطع فيضه جل شأنه عنه آنا لعدم بالكلية .

ومن باب الإشارة : { الله الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً } يشير إلى أنه تعالى جعل أرض البشرية مقراً للروح { والسماء } بناء أي سماء الروحانية مبنية عليها { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } [ غافر : 64 ] بأن جعلكم مرايا جماله وجلاله ، وفي الخبر «خلق الله تعالى آدم على صورته » وفي ذلك إشارة إلى رد { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء } [ البقرة : 30 ] ولله تعالى من قال :

ما حطك الواشون عن رتبة *** عندي ولا ضرك مغتاب

كأنهم أثنوا ولم يعلموا *** عليك عندي بالذي عابوا

والكافر لسوء اختياره التحق بالشياطين وصار مظهراً لصفات القهر من رب العالمين { وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين } ، [ الزخرف : 76 ]

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا } أي : قارة ساكنة ، مهيأة لكل مصالحكم ، تتمكنون من حرثها وغرسها ، والبناء عليها ، والسفر ، والإقامة فيها .

{ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } سقفًا للأرض ، التي أنتم فيها ، قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الأنوار والعلامات ، التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } فليس في جنس الحيوانات ، أحسن صورة من بني آدم ، كما قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }

وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه ، فانظر إليه ، عضوًا عضوًا ، هل تجد عضوًا من أعضائه ، يليق به ، ويصلح أن يكون في غير محله ؟ وانظر أيضًا ، إلى الميل الذي في القلوب ، بعضهم لبعض ، هل تجد ذلك في غير الآدمين ؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان ، والمحبة والمعرفة ، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور .

{ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } وهذا شامل لكل طيب ، من مأكل ، ومشرب ، ومنكح ، وملبس ، ومنظر ، ومسمع ، وغير ذلك ، من الطيبات التي يسرها الله لعباده ، ويسر لهم أسبابها ، ومنعهم من الخبائث ، التي تضادها ، وتضر أبدانهم ، وقلوبهم ، وأديانهم ، { ذَلِكُمُ } الذي دبر الأمور ، وأنعم عليكم بهذه النعم { اللَّهُ رَبُّكُمْ } { فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } أي : تعاظم ، وكثر خيره وإحسانه ، المربي جميع العالمين بنعمه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

كذلك { الله الذي جعل لكم الأرض قرارا } فراشاً ، { والسماء بناءً } سقفاً كالقبة ، { وصوركم فأحسن صوركم } قال مقاتل : خلقكم فأحسن خلقكم . قال ابن عباس : خلق ابن آدم قائماً معتدلاً يأكل ويتناول بيده ، وغير ابن آدم يتناول بفيه . { ورزقكم من الطيبات } قيل : من غير رزق الدواب . { ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين }