مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

قوله تعالى : { الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين * هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين * قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين * هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون } .

اعلم أنا بينا أن دلائل وجود الله وقدرته إما أن تكون من دلائل الآفاق أو من باب دلائل الأنفس ، أما دلائل الآفاق فالمراد كل ما هو غير الإنسان من كل هذا العالم وهي أقسام كثيرة ، والمذكور منها في هذه الآية أقسام منها أحوال الليل والنهار وقد سبق ذكره ( وثانيها ) الأرض والسماء وهو المراد من قوله { الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء } قال ابن عباس في قوله { قرارا } أي منزلا في حال الحياة وبعد الموت { والسماء بناء } كالقبة المضروبة على الأرض ، وقيل مسك الأرض بلا عمد حتى أمكن التصرف عليها { والسماء بناء } أي قائما ثابتا وإلا لوقعت علينا ، وأما دلائل الأنفس فالمراد منها دلالة أحوال بدن الإنسان ودلالة أحوال نفسه على وجود الصانع القادر الحكيم ، والمذكور منها في هذه الآية قسمان : ( أحدها ) ما هو حاصل مشاهد حال كما حاله ( والثاني ) ما كان حاصلا في ابتداء خلقته وتكوينه .

أما القسم الأول : فأنواع كثيرة والمذكور منها في هذه الآية أنواع ثلاثة : ( أولها ) حدوث صورته وهو المراد من قوله { وصوركم } ( وثانيها ) حسن صورته وهو المراد من قوله { فأحسن صوركم } ، ( وثالثها ) أنه رزقه من الطيبات وهو المراد من قوله { ورزقكم من الطيبات } وقد أطنبنا في تفسير هذه الأشياء في هذا الكتاب مرارا لاسيما في تفسير قوله تعالى { ولقد كرمنا بني آدم } ولما ذكر الله تعالى هذه الدلائل الخمسة اثنين من دلائل الآفاق وثلاثة من دلائل الأنفس قال : { ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين } وتفسير تبارك إما الدوام والثبات وإما كثرة الخيرات .