تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا } أي : قارة ساكنة ، مهيأة لكل مصالحكم ، تتمكنون من حرثها وغرسها ، والبناء عليها ، والسفر ، والإقامة فيها .

{ وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } سقفًا للأرض ، التي أنتم فيها ، قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الأنوار والعلامات ، التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } فليس في جنس الحيوانات ، أحسن صورة من بني آدم ، كما قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }

وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه ، فانظر إليه ، عضوًا عضوًا ، هل تجد عضوًا من أعضائه ، يليق به ، ويصلح أن يكون في غير محله ؟ وانظر أيضًا ، إلى الميل الذي في القلوب ، بعضهم لبعض ، هل تجد ذلك في غير الآدمين ؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان ، والمحبة والمعرفة ، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور .

{ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } وهذا شامل لكل طيب ، من مأكل ، ومشرب ، ومنكح ، وملبس ، ومنظر ، ومسمع ، وغير ذلك ، من الطيبات التي يسرها الله لعباده ، ويسر لهم أسبابها ، ومنعهم من الخبائث ، التي تضادها ، وتضر أبدانهم ، وقلوبهم ، وأديانهم ، { ذَلِكُمُ } الذي دبر الأمور ، وأنعم عليكم بهذه النعم { اللَّهُ رَبُّكُمْ } { فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } أي : تعاظم ، وكثر خيره وإحسانه ، المربي جميع العالمين بنعمه .