السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

ولما كان دلائل وجوده تعالى إما أن تكون من دلائل الآفاق وهي غير الإنسان وهي أقسام وذكر منها أحوال الليل والنهار كما تقدم ، ذكر أيضاً منها ههنا الأرض والسماء فقال تعالى : { الله } أي : الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء { الذي جعل } أي : وحده { لكم الأرض } أي : مع كونها فراشاً ممهداً { قراراً } مع كونها في غاية الثقل ولا ممسك لها سوى قدرته { والسماء } أي : على علوها وسعتها مع كونها أفلاكاً دائرة بنجوم طول الزمان سائرة ينشأ عنها الليل والنهار والأظلام { بناء } مظلة كالقبة من غير عماد وحامل . ثم ذكر دلائل النفس وهي دلالة أحوال بدن الإنسان على وجود الصانع القادر الحكيم بقوله تعالى : { وصوركم } والتصوير على غير نظام واحد لا يكون إلا بقدرة قادر تام القدرة مختار { فأحسن صوركم } على أشكال وأحوال مع أنها أحسن الصور ليس في الوجود ما يشبهها لم يخلق الله تعالى حيواناً أحسن صورة من الإنسان كما قال تعالى : { في أحسن تقويم } ( التين : 4 ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : خلق الإنسان قائماً معتدلاً يأكل ويتناول بيده وغير ابن آدم يتناول بفيه .

ولما ذكر تعالى المساكن والساكن ذكر ما يحتاج إليه في مدة السكن فقال سبحانه { ورزقكم من الطيبات } أي : الشهية الملائمة للطباع وقيل : هو ما خلق الله تعالى لعباده من المأكل والمشرب من غير رزق الدواب ، وعن الحسن : أنه قال لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وذريته قالت الملائكة عليهم السلام : إن الأرض لا تسعهم قال الله تعالى : فإني جاعل موتاً ، قالوا : إذاً لا يهنأ لهم العيش قال تعالى : فإني جاعل أملاً .

ولما دل هذا على التفرد قال تعالى على وجه الإنتاج { ذلكم } أي : الرفيع الدرجات { الله } أي : المالك لجميع الملك { ربكم } أي : المحسن إليكم لا غيره { فتبارك } أي : ثبت ثباتاً عظيماً مع اليمن والخير وحسن المدد والفيض { الله } المختص بالكمال { رب العالمين } كلهم فهو المحسن إليهم بالتربية وغيرها .