اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

قوله تعالى : { الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً . . . } لما تقدم أن دلائل وجود الله تعالى وقدرته إما أن يكون من دلائل الآفاق وهي غير الإنسان وهي أقسام ، وذكر منها أحوالَ الليل والنهار كما تقدم ، وذكر منها أيضاً ههنا الأرض والسماء فقال : { الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً } قال ابن عباس رضي الله عنهما قراراً أي منزلاً في حال الحرارة وبعد المَمَات والسماء بناء أي قائماً ثابتاً وإلا وَقَعَتْ علينا . وقيل{[48372]} : سَقْفاً كالقُبَّة ، ثم ذكر دلائل الأنفس ، وهي دلالة أحوال بَدَن الإنسان على وجود الصانع القادر الحكيم ، وهو قوله : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } . قوله : { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } قرأ أبو رَزِين والأعْمَشُ صِوَركُمْ بكسر{[48373]} الصاد فراراً من الضمة قبل الواو . وقرأت فِرْقَةٌ بضم الصاد وسكون الواو ، وجعلوه اسم جنس لصُورَةٍ ، كبُسْر وبُسْرَةٍ{[48374]} .

فصل

قال مقاتل : خلقكم فأحسن خَلْقكم . قال ابن عباس رَضِي اللهُ عَنْهُمَا خُلِقَ ابن آدم قائماً معتدلاً يأكل ويتناول بيده ، وغَيْرُ بن آدم يتناول بفيه . { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات } ، قيل : من غير{[48375]} رزق الدوابِّ . ثم قال : { ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين } ، ومعنى تبارك إمّا الدوام والتبيان وإما كثرة الخيرات .


[48372]:ذكر هذه الآراء الرازي والبغوي في مرجعيهما السابقين.
[48373]:من الشواذ غير المتواترات رواها أبو حيان في البحر 7/463، ومختصر ابن خالويه 132.
[48374]:شاذة أيضا وذكرها أبو حيان في مرجعه السابق والسمين في الدر 4/706.
[48375]:وانظر البغوي 6/102.