روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (12)

{ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله } ومحل الخلاف في دخول المتكلم في عموم كلامه حيث لم يعلم دخوله فيه بالطريق الأولى أو تقم عليه قرينة كما هنا . واحتمال أن يراد بالمؤمنين أنفسهم و { مَا لَنَا } التفات لا التفات إليه ، والجمع بين الواو والفاء تقدم الكلام فيه( {[484]} ) و { مَا } استفهامية للسؤال عن السبب والعذر و { ءانٍ } على تقدير حرف الجر أي أي عذر لنا في عدم التوكل عليه تعالى ، والإظهار لإظهار النشاط بالتوكل عليه جل وعلا والاستلذاذ باسمه تعالى وتعليل التوكل { وَقَدْ هدانَا } أي والحال أنه سبحانه قد فعل بنا ما يوجب ذلك ويستدعيه حيث هدانا { سُبُلَنَا } أي أرشد كلا منا سبيله ومنهاجه الذي شرع له وأوجب عليه سلوكه في الدين .

وقرأ أبو عمرو { سُبُلَنَا } بسكون الباء ، وحيث كانت أذية الكفار مما يوجب القلق والاضطراب القادح في التوكل قالوا على سبيل التوكيد القسمي مظهرين لكمال العزيمة . { وَلَنَصْبِرَنَّ على } و { فِى مَا } مصدرية أي إذائكم إيانا بالعناد واقتراح الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه ، وجوزوا أن تكون موصولة بمعنى الذيوالعائد محذوف أي الذي آذيتموناه ، وكان الأصل آذيتمونا به فعل حذف به أو الباء ووصل الفعل إلى الضمير ؟ قولان { وَعَلَى الله } خاصة { فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون } أي فليثبت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل ، والمراد بهم المؤمنون ، والتعبير عنهم بذلك لسبق اتصافهم به ، وغرض المرسلين من ذلك نحو غرضهم مما تقدم وربما يتجوز في المسند إليه . فالمعنى وعليه سبحانه فليتوكل مريدو التوكل لكن الأول أولى .

وقرأ الحسن بكسر لام الأمر في { *ليتوكل } وهو الأصل هذا ، وذكر بعضهم أن من خواص هذه الآية دفع أذى البرغوث . فقد أخرج المستغفري في الدعوات عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا آذاك البرغوث فخذ قدحاً من ماء واقرأ عليه سبع مرات { وَمَا لَنَا أَلاَّ *نَتَوَكَّلَ عَلَى الله } الآية وتقول : إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها "

وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي الدرداء مرفوعاً نحو ذلك إلا أنه ليس فيه «إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا » ولم أقف على صحة الخبر ولم أجرب ذلك إذ ليس للبرغوث ولع بي والحمد لله تعالى ، وأظن أن ذلك لملوحة الدم كما أخبرني به بعض الأطباء والله تعالى أعلم بحقيقة الحال .


[484]:- في سورة يوسف عليه السلام اهـ منه.