السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (12)

فإن توكلنا على الله ، واعتمادنا على فضل الله ، فإن الروح متى كانت مشرفة بالمعارف الإلهية مشرقة بأضواء علم الغيب قلما تبالي بالأحوال الجسمانية ، وقلما تقيم لها وزناً في حالتي السراء والضراء فلهذا توكلوا على الله ، وعوّلوا على فضله ، وقطعوا أطماعهم عمن سواه ، وعمموا الأمر للإشعار بما يوجب التوكل وقصدوا به أنفسهم قصداً أوّلياً ألا ترى إلى قولهم : { وما لنا أن لا نتوكل على الله } ، أي : أيّ عذر لنا في أن لا نتوكل عليه { وقد هدانا سبلنا } ، أي : وقد عرّفنا طريق النجاة وبيّن لنا الرشد ، فإنّ من فاز بشرف العبودية ووصل إلى مقام الإخلاص والمكاشفة يقبح عليه أن يرجع في أمر من الأمور إلى غير الحق وفي هذه الآية دلالة على أنه تعالى يعصم أولياءه ، والمخلصين في عبوديته عن كيد أعدائهم ومكرهم . وقرأ أبو عمرو بسكون الباء والباقون بالرفع ، وكذلك لرسلهم سكن أبو عمرو السين ورفعها الباقون ، ثم قالوا : { ولنصبرنّ على ما آذيتمونا } فإنّ الصبر مفتاح الفرج ، ومطلع الخيرات ، والحق لا بدّ وأن يصير غالباً قاهراً ، والباطل لا بدّ وأن يصير مغلوباً مقهوراً ثم قالوا : { وعلى الله فليتوكل المتوكلون } . فإن قيل : ، أي : فرق بين التوكلين ؟ أجيب : بأنّ الأوّل لاستحداث التوكل والثاني طلب دوامه ، ، أي : فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم المسبب عن إيمانهم .