روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ} (2)

وقوله تعالى : { اللَّهِ } بالرفع على ما قرأ نافع . وابن عمر خبر مبتدأ محذوف أي هو الله والموصول الآتي صفته ، وبالجر على قراءة باقي السبعة . والأصمعي عن نافع بدل مما قبله في قول ابن عطية : والحوفي . وأبي البقاء ، وعطف بيان في قول الزمخشري قال : لأنه أجرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود بحق كما غلب النجم على الثريا ، ولعل جعله جارياً مجرى ذلك ليس لاشتراطه في عطف البيان بل لأن عطف البيان شرطه إفادة زيادة إيضاح لمتبوعه وهي هنا بكونه كالعلم باختصاصه بالمعبود بحق وقد خرج عن الوصفية بذلك فليس صفة كالعزيز الحميد .

ثم أنه لا يخفى عليك أنه عند الأئمة المحققين علم لا أنه كالعلم ، وعن ابن عصفور أنه لا تقدم صفة على موصوف إلا حيث سمع وذلك قليل ، وللعرب فيما وجد من ذلك وجهان : أحدهما : أن تقدم الصفة وتبقيها على ما كانت عليه ، وفي إعراب مثل هذا وجهان : أحدهما : إعرابه نعتاً مقدماً . والثاني : أن يجعل ما بعد الصفة بدلاً ، والوجه الثاني : أن تضيف الصفة إلى الموصوف اه ، وعلى هذا يجوز أن يكون { العزيز الحميد } [ ابراهيم : 1 ] صفتين متقدمتين ويعرب الاسم الجليل موصوفاً متأخراً ، ومما جاء فيه تقديم ما لو أخر لكان صفة وتأخير ما لو قدم لكان موصوفاً قوله :

والمؤمن العائذات الطير يمسحها . . . ركبان مكة بين الغيل والسعد

فلو جاء على الكثير لكان التركيب والمؤمن الطير العائذات ، ومثله قوله :

لو كنت ذا نبل وذا تشديب . . . لم أخش شدات الخبيث الذيب

وجوز في قراءة الرفع كون الاسم الجليل مبتدأ وقوله تعالى : { الذى لَهُ } أي ملكاً وملكاً { مَا فِي السموات وَمَا فِي الارض } خبره وما تقدم أولى ، فإن في الوصفية من بيان كمال فخامة شأن الصراط وإظهار تحتم سلوكه على الناس ما ليس في الخبرية ، والمراد بما في السموات وما في الأرض ما وجد داخلاً فيهما أو خارجاً عنهما متمكناً فيهما ، ومن الناس من استدل بعموم { مَا } على أن أفعال العباد مخلوقة له تعالى كما ذكره الإمام ، وقوله تعالى : { وَوَيْلٌ للكافرين } وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور بالويل .

وهو عند بعض نقيض الوأل بالهمز بمعنى النجاة فمعناه الهلاك فهو مصدر إلا أنه لا يشتق منه فعل إنما يقال : ويلا له فينصب نصب المصادر ثم يرفع رفعها لإفادة معنى الثبات فيقال : ويل له كسلام عليك ، وقال الراغب : قال الأصمعي ويل قبوح وقد يستعمل للتحسر ، وويس استصغتر ، وويح ترحم ، ومن قال : هو واد في جهنم لم يرد أنه في اللغة موضوع لذلك وإنما أراد أن من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقراً من النار وثبت له ذلك ، وقوله سبحانه : { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } في موضع الصفة لويل ولا يضر الفصل على ما في «البحر » وغيره بالخبر ، وجوز أن يكون في موضع الحال على ما في الحواشي الهشابية و { مِنْ } بيانية ، وجوز أن تكون ابتدائية على معنى أن الويل بمعنى عدم النجاة متصل بالعذاب الشديد وناشيء عنه ، وقيل إن الجار متعلق : بويل على معنى أنهم يولولون من العذاب ويضجون منه قائلين يا ويلاه كقوله تعالى :

{ دَعَوْاْ هُنَالِكَ *ثُبُوراً } [ الفرقان : 13 ] ومنع أبو حيان وأبو البقاء ذلك لما فيه من الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر وهو لا يجوز ، وقد مر قريباً في الرعد ما يتعلق بذلك فتذكر فما في العهد من قدم . وفي «الكشاف » أن { مِنْ عَذَابِ } الخ متصل بالويل على معنى أنهم يولولون إلى آخر ما ذكرنا ، وهو محتمل لتعلقه به ولتعلقه بمحذوف ، واستظهر هذا في «البحر » . وفي «الكشف » أن الزمخشري لما رأى أن الويل من الذنوب لا من العذاب كما يرشد إليه قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 79 ] وأمثاله أشار هنا إلى أن الاتصال معنوي لا من ذلك الوجه فإنه هناك جعل الويل نفس العذاب وهنا جعله تلفظهم بكلمة التلهف من شدة العذاب وكلاهما صحيح ، ولم يرد أن هنالك فصلاً بالخبر لقرب ما مر في قوله تعالى : { سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } [ الرعد : 24 ] اه .

واعترض عليه بأنه لا حاجة لما ذكر من التكلف لأن اتصاله به ظاهر لا يحتاج إلى صرفه للتلفظ بتلك الكلمة ، و { مِنْ } بيانية لا إبتدائية حتى يحتاج إلى ما ذكر ، ولا يخفى قوة ذلك وأنه لا يحتاج إلى التكلف ولو جعلت { مِنْ } ابتدائية فتأمل ، والظاهر أن المراد بالعذاب الشديد عذاب الآخرة ، وجوز أن يكون المراد عذاباً يقع بهم في الدنيا .

( ومن باب الإشارة ) :{ وَوَيْلٌ للكافرين } المحجوبين { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [ إبراهيم : 2 ] وهو عذاب الحرمان